أب درمو و(كتاحة عطبرة)
أب درمو كان مساعداً طبيَّاً في دغيم جنوب و(دواهيها)، يؤدِّي عمله بكل تفانٍ وإخلاص، فيما صار يعرف حاليَّاً باسم طب الأسرة والمجتمع. عند عمنا أب درمو لن تعدم علاج الكحة وحسمها بـ (لعوق كوداينن)، وكل مشكلات الباطنية يعالجها المزيج القلوي وحبوب (السلفا قواننيدين)، أمَّا الجروح والإصابات الخارجية، فقد أعدَّ لها محلول الحنشن، أو الميركوكروم.
كانت الحياة في وادي حلفا سهلة وخالية من الأمراض المستوطنة، فلا ملاريا، ولا، بلهارسيا، ولا يحزنون.
عمنا أب درمو اشتهر بالمبالغة في وصف الحدث، وبطريقة مشوقة يجعلك تتابعه بكل حواسك.
وصف ذات مرة (الكتَّاحة) في عطبرة، وأهوالها، وتداعياتها، فقال: وصلنا بالإكسبريس لعطبرة عند المغرب متجهين للخرطوم، عندما داهمتنا تلك (الكتاحة) من الشرق، من أرض البطانة، سوداء شديدة السواد، تنعدم معها الرؤية تماماً، واستمرت أكثر من عشر ساعات، طوال ساعات الليل حتى فجر اليوم التالي؛ حيث اتضحت الرؤية، وبدأ القطار للاستعداد للتحرُّك جنوباً نحو الخرطوم، وإذا بالسواقين يتفاجؤون بوجود لافتة ضحمة مرمية على قضيب سكة الحديد.
يقول عمنا أب درمو: هرعنا إلى اللافتة، ورفعناها من القضيب، فوجدنا مكتوب عليها: (مدرسة سنكات الوسطي بنات!)
أحمد نبيهة وغنم الخال (بيسي)
كان من ظرفاء مجتمعنا الحلفاوي في عطبرة. تعود أن يأتي كل خميس عند منزل الخال محمد عبد الصادق (بيسي)، فهو عم زوجته (فاتنا). ينتظر معهم ليتناول الغداء، ويرتاح قليلاً، ثم يقوم ليتابع زياراته للأهل والأقارب، وكان حريصاً على صلة الأرحام. له صوت جهوري تسمعه من تاني شارع، وأمَّا الخال بيسى -رحمه الله- فكان يمشي بيننا بأخلاق الأنبياء، طيبةً ومودةً ورحمةً.
ذات مرة من المرامير، وبعد تناول طعام الغداء، وكان معهم أحمد سوسو، وكان قد توظف بشركة الكهرباء، ومقيماً مع الخال بيسى، وتعسيلة ما بعد الغداء لا تضاهيها أيّ تعسيلة إلا أنَّه، ما كان لأحمد سوسو منها نصيب في ذلك اليوم، إذ دخل هميدى بيسى دافعاً الباب بقوة، وهو يصيح: الحقوا الغنم يا عمي، ناس البلدية ساقوا غنم الحلة!
تعودت بلدية عطبرة في تلك الأيام أن تسوق الأغنام السائبة في الشوارع بحجج واهية، بسبب أحياناً، وبدون سبب في أغلب الأحايين، وعليه، كان على أيِّ شخص سُحبت أغنامه أن يستعجل إخراجها في اليوم نفسه؛ حتى لا تتضاعف الغرامة لليوم التالي.
هنا صاح أحمد نبيهة في أحمد سوسو: يللا قوم يا سوسو، روح جيب الغنم من البلدية.
ردَّ أحمد سوسو متكاسلاً: يآخى بلدية شنو، أنا ما بعرف غنمكم!
فقاطعه أحمد نبيهة:
امشِ اقيف في باب الزريبة، الغنم حيعرفوك!