اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬لغة‭ ‬إفريقية‭ ‬المنشأ،‭ ‬يتحدّث‭ ‬بها‭ ‬النوبة‭ ‬النيليون‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬النوبي‭ ‬الشمالي،‭ ‬بين‭ ‬الشلال‭ ‬الأول‭ ‬والشلال‭ ‬الرابع،‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬النيل،‭ ‬وهي‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬فرع‭ ‬اللغات‭ ‬السودانية‭ ‬الشرقية،‭ ‬التي‭ ‬تتفرع‭ ‬منها‭ ‬لغة‭ ‬نوبة‭ ‬شمال‭ ‬وجنوب‭ ‬كردفان،‭ ‬ولغات‭ ‬البِرقِد‭ ‬والميدوب‭ ‬في‭ ‬دارفور،‭ ‬والنوبة‭ ‬النيليين،‭ (‬نوبين‭ ‬nobeen‭)‬،‭ ‬وأوشكِرين‭ ‬oshkireen‭)).‬

اللغة‭ ‬في‭ ‬القاموس‭ ‬النوبي‭ ‬تقابلها‭ ‬مفردة‭ (‬قِرّي‭ ‬girre‭)‬،‭ ‬لسان،‭ ‬كلام،‭ ‬بمعنى‭ ‬الإفصاح‭ ‬والإقرار‭ ‬بشيء،‭ ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬التوراة‭ ‬اسم‭ ‬كوش،‭ ‬بوصفه‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬حام‭ ‬ابن‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬ولكن‭ ‬الأصل‭ ‬النوبي‭ ‬لاسم‭ ‬كوش‭ ‬kush‭ ‬التاريخية،‭ ‬برأينا‭ ‬هو‭ (‬إيقوش‭ ‬iigosh‭)‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬سواد،‭ ‬ظلام‭. ‬ونجد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اسم‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ (‬أوشكرين‭ ‬oshkireen‭)‬،‭ ‬وهو‭ (‬أوشكِر‭ ‬oshkir‭)‬،‭ ‬لغة‭ ‬السّود،‭ ‬من‭ ‬أصله‭ ‬النوبي‭(‬ إيقوشين‭ ‬قِرّي‭ ‬iigoshiin-n girre‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬لغة‭ ‬السّود‭.‬

من‭ ‬تدشين‭ ‬القاموس‭ ‬النوبي‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬بالرياض‭ ‬للبحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬شادية‭ ‬عيسى‭) ‬شقيقة‭ ‬المؤلف
‭ ‬المشارك)‭- ‬ مكي‭ ‬علي‭ ‬إدريس‭- ‬حسين‭ ‬حسن‭ ‬حسين

جرى‭ ‬تقسيم‭ ‬إقليم‭ ‬النوبة‭ ‬النيليين‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬ذاتي‭ ‬سيادة،‭ ‬هما‭ ‬مصر‭ ‬والسودان‭ (‬حسن‭ ‬دفع‭ ‬الله،‭ ‬1975م‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬الداخل‭ ‬السوداني‭: ‬نجد‭ ‬نوبة‭ ‬‮«‬الميدوب‮»‬‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬دارفور‭ ( ‬فيرنر،‭ ‬1994م‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬وسطها‭ ‬نوبة‭ ‬‮«‬‭ ‬بِرْقِد‮»‬،‭ (‬عشاري‭ ‬أحمد‭ ‬محمود‭ ‬1974م‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬نوبة‭ ‬‮«‬الحرازة‮»‬‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬كردفان‭ (‬هيرمان‭ ‬بيل‭ ‬1973م‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬جنوب‭ ‬كردفان‭ ‬نجد‭ ‬‮«‬نوبة‭ ‬الجبال‮»‬،‭ (‬ستيفنسون‭ ‬1984م‭)‬،‭ ‬وشرقاً‭ ‬في‭ ‬امتداداتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬إلى‭ ‬جبال‭ ‬الأنقسنا‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬النيل‭ ‬الأزرق،‭ (‬اسبولدينق،1972‭-‬1973م‭)‬،‭ ‬أمّا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬فنجد‭ ‬النوبيّين‭ ‬النيليّين‭ ‬الذين‭ ‬بدورهم‭ ‬ينقسمون‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مجموعات،‭ (‬أدمز،‭ ‬1984م‭)‬،‭ ‬وشرقاً‭ ‬يقطن‭ ‬النوبيون‭ ‬في‭ ‬مهجرهم‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬خشم‭ ‬القِربة‭ ‬أو‭ ‬حلفا‭ ‬الجديدة،‭ (‬حسن‭ ‬دفع‭ ‬الله،‭ ‬1975م‭)‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المهاجرين‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬الوطن‭ ‬وخارجه‭.‬

بنهاية‭ ‬فترة‭ ‬الممالك‭ ‬النوبيّة‭ ‬المسيحيّة‭ (‬500م-1500م‭). ‬نحو‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬أُبطلت‭ ‬الكتابة‭ ‬بأبجدية‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية،‭ ‬وحلَّت‭ ‬محلها‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغةً‭ ‬رسمية‭ ‬للبلاد،‭ ‬وفقد‭ ‬النوبيون‭ ‬فرص‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تفاصيل‭ ‬قواعد‭ ‬لغتهم،‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬السبعة‭ ‬قرون،‭ ‬وأحدث‭ ‬ذلك‭ ‬غموضاً‭ ‬وقطيعة‭ ‬لغويّة،‭ ‬باعدت‭ ‬بين‭ ‬القطاع‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬النّوبيّين‭ ‬المعاصرين،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬بلهجتيها،‭ ‬واكتنف‭ ‬الغموض‭ ‬أيضاً‭ ‬الأسس‭ ‬والضوابط‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬تحكمها،‭ ‬وخصوصية‭ ‬قواعدها،‭ ‬بينما‭ ‬ظَّلَّت‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬الشفاهية‭ ‬رائجة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الخاصة،‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬أهلها‭ ‬وتراثهم‭ ‬وتاريخهم‭ ‬الحضاري‭.‬

من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬على‭ ‬الصمود،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬رياح‭ ‬الثقافات‭ ‬الوافدة‭ ‬واللغات‭ ‬المجاورة،‭ ‬احتفاظها‭ ‬بموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬القديم،‭ ‬بين‭ ‬الشلال‭ ‬الأول‭ ‬والشلال‭ ‬الرابع،‭ ‬وهي‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬عبّرت‭ ‬فيها‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬عن‭ ‬ثقافاتها‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية،‭ ‬وتاريخها‭ ‬وتراثها‭ ‬الحضاري،‭ ‬وحقق‭ ‬لها‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لاحقاً،‭ ‬عُزلة‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬المصري،‭ ‬ومراكز‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬السودان،‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الممالك‭ ‬المسيحية،‭ ‬ولكن‭ ‬خلوّ‭ ‬ضفاف‭ ‬النيل‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬الموانع‭ ‬الطبيعية،‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬الشلالات،‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬ثبات‭ ‬وسائل‭ ‬صنع‭ ‬الحياة‭ ‬لسكان‭ ‬البيئة‭ ‬الفيضية،‭ ‬مع‭ ‬وحدة‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬والمعتقدات‭ ‬عبر‭ ‬تأريخهم‭.‬

لم‭ ‬يرث‭ ‬النوبيون‭ ‬مؤلفات‭ ‬قديمة،‭ ‬تتناول‭ ‬تفاصيل‭ ‬قواعد‭ ‬لغتهم،‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الكوشية‭ ‬والمروية،‭ ‬وتُعدّ‭ ‬لغة‭ ‬نوبين‭ ‬nobeen،‭ ‬آخر‭ ‬اللغات‭ ‬المكتوبة،‭ ‬والمعاصرة‭ ‬للحضارة‭ ‬النوبية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬عبر‭ ‬ممالك‭ (‬قُسطُل3500ق‭.‬م‭) ‬و‭(‬كرمة‭ ‬2500‭ ‬ق‭.‬م‭)‬،‭ ‬ونباتا،‭ ‬ومروي،‭ (‬700ق‭.‬م‭-‬350م‭)‬،‭ ‬وعبر‭ ‬الممالك‭ ‬المسيحية‭(‬500م‭-‬1500م‭): (‬نوباتيا‭ ‬Nubatia،‭ ‬مكوريا‭ ‬“المقرة‭ ‬أو‭ ‬المكرَّة‮»‬‭ ‬Makuria،‭ ‬وألوديا‭ ‬‮«‬علوة‮»‬‭ ‬Alodia‭) ‬على‭ ‬الرقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬ذاتها‭.‬

أسئلة‭ ‬بلا‭ ‬أجوبة

قدم‭ ‬معظمُ‭ ‬الدارسين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تقعيد‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬بلهجاتها،‭ ‬أسئلة‭ ‬واستفسارات‭ ‬حول‭ ‬خصوصية‭ ‬كلّ‭ ‬لهجة،‭ ‬وغموض‭ ‬بعض‭ ‬التعبيرات‭ ‬والمفردات‭ ‬داخلها،‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬الضوابط‭ ‬التي‭ ‬تحكمها،‭ ‬فلجؤوا‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬ومقارنات،‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يقابلها‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬قواعد‭ ‬اللغات‭ ‬المجاورة،‭ ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬المتفشّي،‭ ‬اعتمد‭ ‬الباحثون‭ ‬الأجانب،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الناطقين‭ ‬باللغة‭ ‬النوبية،‭ ‬على‭ ‬رواة‭ ‬نوبيين‭ ‬من‭ ‬المتحدثين‭ ‬بلهجتيها،‭ (‬نوبين،‭ ‬اوشكرين‭)‬،‭ ‬والشاهد‭ ‬أنَّهم،‭ ‬لم‭ ‬يرثوا‭ ‬التفاصيل‭ ‬القاعدية‭ ‬في‭ ‬اللهجتين،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬الباحث‭ ‬الأجنبي‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬لغةٍ‭ ‬لا‭ ‬يجيدها،‭ ‬يقع‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬في‭ ‬الفخّ‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬محمود‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬كتاب‭ (‬اللغة‭ ‬المروية‭ ‬1997م‭)‬،‭ ‬أمّا‭ ‬الكتابات‭ ‬والنقوش‭ ‬المعثورة‭ ‬في‭ (‬قصر‭ ‬إبريم‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬وإن‭ ‬أفصحت‭ ‬عن‭ ‬شيء،‭ ‬حول‭ ‬المستوى‭ ‬الظاهري‭ ‬للغة‭ ‬النوبية‭ ‬القديمة،‭ ‬فإنَّها‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬لكشف‭ ‬المستوى‭ ‬العميق‭ ‬للغة،‭ ‬كونها‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬تفاصيل‭ ‬مفيدة،‭ ‬تساعد‭ ‬الباحث‭ ‬على‭ ‬استكشاف‭ ‬غوامض‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬الماثلة‭.‬

الاقتراض‭: ‬إثراء‭ ‬وعصرنة

ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬واجهت‭ ‬الباحثين،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تقعيد‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬الآن،‭ ‬تلك‭ ‬المفاهيم‭ ‬السالبة‭ ‬التي‭ ‬ظلَّت‭ ‬تُروّج‭ ‬حول‭ ‬اقتراض‭ ‬المفردات،‭ ‬والتعابير‭ ‬العصرية‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءاً‭ ‬أصيلاً‭ ‬من‭ ‬قاموسهم‭ ‬المعاصر،‭ ‬يتداولونها‭ ‬داخل‭ ‬لغتهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬يجتهدون‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مفردات‭ ‬نوبية‭ ‬شاردة،‭ ‬عفا‭ ‬عليها‭ ‬الزمن،‭ ‬لتكتمل‭ ‬عندهم‭ ‬صورة‭ ‬القاموس‭ ‬النوبي‭ ‬القديم،‭ ‬The Old Nubian Language،‭ ‬في‭ ‬بحثهم‭ ‬الدؤوب‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬غائبة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬لغتهم،‭ ‬وربّما‭ ‬لإضفاء‭ ‬العراقة‭ ‬والأصالة‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وتلك‭ ‬محمدة،‭ ‬ولكن‭ ‬المغالاة‭ ‬في‭ ‬نبذ‭ ‬المفردات‭ ‬والتعابير‭ ‬المقترضة‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬عصرية،‭ ‬تمهّد‭ ‬تلقائيَّاً‭ ‬لتقوقع‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬المحدود‭ ‬جغرافيَّاً،‭ ‬ويقعد‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬مجاراة‭ ‬العصر؛‭ ‬لفقدانها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬مصطلحات‭ ‬الحداثة،‭ ‬فالمفردات‭ ‬والتعابير‭ ‬الوافدة،‭ ‬أيّاً‭ ‬كانت،‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد،‭ ‬في‭ ‬سلامة‭ ‬البنية‭ ‬القاعدية‭ ‬للغة،‭ ‬وهي‭ ‬بالمقابل‭ ‬ترفد‭ ‬القاموس‭ ‬النوبي‭ ‬بحصيلة‭ ‬وافرة‭ ‬من‭ ‬المصطلحات‭ ‬المعاصرة‭.‬

إعلان‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الخرطوم‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬المعجم‭ ‬النوبي ‭(2019)

لم‭ ‬تفلح‭ ‬الجهود‭ ‬السابقة،‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬بتفاصيلها‭ ‬وخفاياها،‭ ‬وفي‭ ‬تقديم‭ ‬أجوبة‭ ‬منطقية‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬والاستفسارات،‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬الباحثون‭ ‬اللغويُّون‭ ‬من‭ ‬النوبيين‭ ‬والأجانب،‭ ‬وأدَّى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬رواج‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التخريجات‭ ‬السالبة‭ ‬حولها،‭ ‬كاعتقاد‭ ‬بعض‭ ‬ثقاة‭ ‬الباحثين‭ ‬أنَّ‭ (‬المُثنّى‭) ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬بعضهم‭ ‬يشكّك‭ ‬في‭ ‬شكيمة‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬النّمو‭ ‬والانتشار،‭ ‬ويعتقد‭ ‬أنَّها‭ ‬لن‭ ‬تكتمل‭ ‬إلاّ‭ ‬ببعث‭ ‬قاموسها‭ ‬القديم،‭ ‬وهي‭ ‬مفاهيم‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬الدّقة‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس،‭ ‬لأنَّ‭ ‬سلامة‭ ‬اللغة‭ ‬ومرونة‭ ‬قواعدها‭ ‬واستكشاف‭ ‬خصوصياتها،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬وثقافة‭ ‬المتحدثين‭ ‬بها،‭ ‬أهمّ‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬المتحدثين‭ ‬بها‭ ‬وحجم‭ ‬متداوليها،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬نشرها‭ ‬وتطويرها‭.‬

تمثّل‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬الدعامة‭ ‬الأساسية‭ ‬لفهم‭ ‬خصائصها‭ ‬واستيعاب‭ ‬مقاصدها،‭ ‬وبدونها‭ ‬يستحيل‭ ‬معرفة‭ ‬أساليبها،‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الأفعال‭ ‬وصياغة‭ ‬الأسماء،‭ ‬والتعرف‭ ‬إلى‭ ‬وظائف‭ ‬الروابط‭ ‬والأدوات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تأهيلها‭ ‬أكاديميَّاً؛‭ ‬لكي‭ ‬تُدرَّس‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬واضحة‭.‬

شروط‭ ‬العراقة‭ ‬مستوفاة

إنّ‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬عراقة‭ ‬لغة‭ ‬ما،‭ ‬قِدَمها،‭ ‬ودرجة‭ ‬تأصيلها‭ ‬مكانيَّاً،‭ ‬وتأريخيتها،‭ ‬واحتكامها‭ ‬إلى‭:‬

  • أن‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬قديمة‭ ‬قدَم‭ ‬الإنسان‭ ‬ف،ي‭ ‬الأرض‭.‬
  • أن‭ ‬تكون‭ ‬اللغات‭ ‬التصويرية‭ ‬الأولى‭ ‬محتوية‭ ‬على‭ ‬معاني‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭.‬
  • أن‭ ‬يكون‭ ‬للناس‭ ‬الأوائل،‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬صفات‭ ‬مشتقة‭ ‬اشتقاقاً‭ ‬أصليَّاً‭ ‬منها‭.‬
  • أن‭ ‬تكون‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭.‬

هذه‭ ‬الشروط‭ ‬نجدها‭ ‬مستوفاة‭ ‬بجدارة،‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬نوبين‭ ‬nobeen،‭ ‬كما‭ ‬أوردناها‭ ‬في‭ ‬بحثنا‭ ‬اللغوي‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬دراسة‭ ‬منهجيّة‭ ‬لأُسس‭ ‬قواعد‭ ‬اللّغة‭ ‬النوبيّة‭ ‬نوبين‭ ‬nobeen‮»‬،‭ ‬والشاهد‭ ‬أنَّ‭ ‬القاموس‭ ‬النوبي‭ ‬المعاصر،‭ ‬أكثر‭ ‬ثراءً‭ ‬وترابطاً‭ ‬من‭ ‬القاموس‭ ‬النوبي‭ ‬القديم،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أكثر‭ ‬انضباطاً‭ ‬وقوة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬افكار‭ ‬الناطقين‭ ‬بها،‭ ‬كونُها‭ ‬تتميَّز‭ ‬بضوابط‭ ‬وآليات‭ ‬بناء‭ ‬وصياغة‭ ‬مكونات‭ ‬قواعدها،‭ ‬ومرونتها‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬مطالب‭ ‬العصر،‭ ‬وهي‭ ‬تمتلك‭ ‬مكتبة‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬المسموع‭ ‬والمرئي‭ ‬والمكتوب،‭ ‬وكل‭ ‬مقوِّمات‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭.‬

من‭ ‬الملاحظ‭ ‬أنّ‭ ‬المفردة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬لا‭ ‬تُنطق‭ ‬عادة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬بنائها‭ ‬الأصلي،‭ ‬وهذه‭ ‬السمة‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى،‭ ‬إذ‭ ‬تتحوَّر‭ ‬أحرف‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء،‭ ‬والأفعال‭ ‬والأدوات،‭ ‬بالإبدال،‭ ‬أو‭ ‬الدمج،‭ ‬أو‭ ‬التجاوز‭ ‬أحياناً‭ ‬عند‭ ‬النُطق،‭ ‬وذلك‭ ‬لتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الانسيابية‭ ‬في‭ ‬نطق‭ ‬الأحرف‭ ‬والمقاطع‭ ‬الصوتية،‭ ‬وهي‭ ‬بالضرورة‭ ‬آلية‭ ‬حتمية‭ ‬للنّموّ‭ ‬اللغوي،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تأسيس‭ ‬أفعال‭ ‬وأسماء‭ ‬جديدة،‭ ‬وعبر‭ ‬التلاقح‭ ‬الثقافي‭ ‬مع‭ ‬اللغات‭ ‬المجاورة،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تساعدنا‭ ‬على‭ ‬تقصّي‭ ‬تأريخ‭ ‬اللغة‭ ‬ومدى‭ ‬تأثرها‭ ‬بثقافات‭ ‬أو‭ ‬لغات‭ ‬قديمة،‭ ‬أو‭ ‬أصول‭ ‬موروثة‭.‬

تقوم‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مقاطع‭ ‬صوتية،‭ ‬بعضها‭ ‬يؤسس‭ ‬جذوراً‭ ‬للأفعال،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬يؤسس‭ ‬مصادر‭ ‬للأسماء‭ ‬والأدوات‭ ‬والروابط،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬ضوابط‭ ‬وآليات‭ ‬بناء‭ ‬خاصة‭ ‬بها،‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬المقطع‭ ‬الصوتي‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ ‬أو‭ ‬الاسم،‭ ‬أو‭ ‬الأداة،‭ (‬انظر‭ ‬جداول‭ ‬القوائم‭ ‬للمقاطع‭ ‬الصوتية‭ ‬الافتراضية‭ ‬في‭ ‬أبجدية‭ ‬اللغة‭ ‬النوبية‭ ‬نوبين‭).‬

تتناول‭ ‬دراستنا‭ ‬عرضاً‭ ‬تفصيلياً‭ ‬لقواعد‭ ‬اللّغة‭ ‬النوبيّة‭ ‬نوبين‭ ‬nobeen،‭ ‬يمثّل‭ ‬خلاصة‭ ‬البحث‭ ‬اللغوي‭ ‬الذي‭ ‬أعددته،‭ ‬وانتهجت‭ ‬فيه‭ ‬أسلوب‭ ‬التّحليل‭ ‬الجذريّ‭ ‬والتّركيب‭ ‬اللّغويّ،‭ ‬المحكومَين‭ ‬بضوابط‭ ‬اللّغة‭ ‬النوبيّة‭ ‬الشّفهيّة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وذلك‭ ‬للتعرف‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬الأفعال‭ ‬ومصادر‭ ‬الأسماء،‭ ‬ويتناول‭ ‬البحث‭ ‬شرحاً‭ ‬موجزاً،‭ ‬لاستكشاف‭ ‬آليّات‭ ‬بناء‭ ‬الأفعال،‭ ‬وصياغة‭ ‬الأسماء،‭ ‬وتفحّص‭ ‬أساليب‭ ‬مكوّناتها‭ ‬الأساسيّة‭.‬

يهدف‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬الموجز‭ ‬للخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬لقواعد‭ ‬اللّغة‭ ‬النوبيّة‭ ‬نوبين‭ ‬nobeen،‭ ‬إلى‭:‬

1- تصوير‭ ‬الوحدات‭ ‬المختلفة‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬اللّغة‭ ‬النوبيّة‭ ‬nobeen‭.‬

2- شرح‭ ‬خصائص‭ ‬كلّ‭ ‬وحدة،‭ ‬والدّور‭ ‬الذي‭ ‬تؤدِّيه‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الجُملة‭.‬

3- رسم‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬للتّحليل‭ ‬والتّركيب‭ ‬في‭ ‬اللّغة‭.‬

4- الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التّحليل‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬نقرأ‭ ‬أو‭ ‬نسمع‭.‬

5- توظيف‭ ‬التّركيب‭ ‬في‭ ‬التّعبير‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭.‬

6- إحياء‭ ‬الشّارد‭ ‬من‭ ‬مفرداتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬وإعادتها‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬التداول‭ ‬اليومي‭.‬

7- إتاحة‭ ‬فرص‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬سماتها‭ ‬وسمات‭ ‬اللّغات‭ ‬المجاورة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬اللغة‭ ‬المرويّة‭.‬

8- تيسير‭ ‬تعليم‭ ‬اللّغة‭ ‬النوبيّة‭ ‬وتدريسها‭ ‬بأسس‭ ‬علمية‭.‬

مكي‭ ‬على‭ ‬إدريس

تأهيل‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬أكاديميّاً

أول‭ ‬المقومات‭ ‬الضروريّة،‭ ‬وأكثرها‭ ‬أهمية،‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬تأهيل‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬أكاديميّاً،‭ ‬تعريف‭ ‬الدّارس‭ ‬بأسس‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬وثوابتها،‭ ‬وخصوصيّتها‭ ‬القاعديّة،‭ ‬وآليات‭ ‬البناء‭ ‬والصّياغة‭ ‬فيها،‭ ‬وتطبيق‭ ‬ضوابطها‭ ‬الإملائيّة،‭ ‬واعتماد‭ ‬مرجع‭ ‬يحتكم‭ ‬إليه‭ ‬القاموس‭ ‬النّوبيّ‭ ‬المعاصر،‭ ‬وتتبنّاه‭ ‬أنشطة‭ ‬التداول‭ ‬الكتابيّ‭ ‬بالأبجديّة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المنحى،‭ ‬طرحت‭ (‬دراسة‭ ‬منهجيّة‭ ‬لأسس‭ ‬قواعد‭ ‬لغة‭ ‬نوبين‭)‬،‭ ‬لفائدة‭ ‬الباحثين‭ ‬والدّارسين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدّراسات‭ ‬اللّغويّة‭ ‬السّودانية،‭ ‬كالدّراسة‭ ‬التي‭ ‬قدّمها‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬محمود،‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬‭ ‬اللّغة‭ ‬المرويّة‮»‬1997م،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحالفه‭ ‬التّوفيق،‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬خفاياها،‭ ‬أو‭ ‬التعرّف‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭. ‬وقد‭ ‬أجريتُ‭ ‬مقارنة،‭ ‬بين‭ ‬سمات‭ ‬اللّغة‭ ‬المرويّة،‭ (‬التي‭ ‬أوردها‭ ‬د‭. ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬محمود‭)‬،‭ ‬وسمات‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬نوبين،‭ ‬وكانت‭ ‬السّمات‭ ‬متطابقة‭ ‬بين‭ ‬اللّغتين‭ ‬النّوبيّة‭ ‬والمرويّة،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الاختلافات‭ ‬بينهما‭ ‬وبين‭ ‬اللّغة‭ ‬المصريّة‭ ‬القديمة،‭ ‬كما‭ ‬أوردها‭ ‬د‭. ‬عبد‭ ‬القادر،‭ ‬عندما‭ ‬قارن‭ ‬سماتها‭ ‬بسمات‭ ‬اللّغة‭ ‬المرويّة‭.‬

أفرزت‭ ‬الدّراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬اللّغويّة‭ ‬السّابقة،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تقعيد‭ ‬لغة‭ ‬نوبين،‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬والاستفسارات‭ ‬طرحها‭ ‬الباحثون،‭ ‬من‭ ‬الوطنيين‭ ‬والأجانب،‭ ‬حول‭ ‬الضوابط‭ ‬القاعديّة‭ ‬للّغة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬نوبين‭ ‬nobiin‭. ‬على‭ ‬أمل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إجابات‭ ‬منطقيَّة‭ ‬وموضوعيّة‭ ‬لها،‭ ‬ومنها‭:‬

أين‭ ‬نشأت‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬لهجاتها،‭ ‬وامتداداتها‭ ‬في‭ ‬السودان؟

  • ما‭ ‬هي‭ ‬آليات‭ ‬البناء‭ ‬والصياغة‭ ‬والاشتقاق‭ ‬في‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة؟
  • ما‭ ‬هي‭ ‬صيغة‭ ‬التفعيلة،‭ ‬وكيف‭ ‬تُبنى‭ ‬الأفعال‭ ‬ومشتقاتها؟
  • كيف‭ ‬يُبنى‭ ‬الاسم‭ ‬في‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة؟
  • ما‭ ‬الروابط‭ ‬والأدوات‭ ‬في‭ ‬اللّغة؟
  • كيف‭ ‬يتم‭ ‬جمع‭ ‬الأسماء؟
  • هل‭ ‬يوجد‭ ‬المثنّى‭ ‬في‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة؟
  • ما‭ ‬الأسماء‭ ‬الموصولة؟
  • ما‭ ‬أسماء‭ ‬الإشارة؟
  • ما‭ ‬الضمائر‭ ‬وأنواعها؟
  • ما‭ ‬صيغ‭ ‬المفرد‭ ‬والجمع‭ ‬والتثنية؟
  • ما‭ ‬أصول‭ ‬الانتماء؟
  • ما‭ ‬المواقيت‭ ‬في‭ ‬اللّغة؟
  • رؤى‭ ‬للتفكير‭ ‬الجاد

أمامنا‭ ‬الآن‭ ‬فرص‭ ‬التفكير‭ ‬الجادّ،‭ ‬في‭ ‬كيفيّة‭ ‬تدريس‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬للنّاطقين‭ ‬وغير‭ ‬النّاطقين‭ ‬بها،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬منهجيّ‭ ‬محكوم‭ ‬بأسس‭ ‬قواعد‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬قاموس‭ ‬يمثل‭ ‬المرجعيّة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬للمجتمعات‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬وإعداد‭ ‬طاقات‭ ‬مؤهلة‭ ‬للقيام‭ ‬بعمليّة‭ ‬التّدريس،‭ ‬والتوافق‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬المناهج‭ ‬المناسبة‭ ‬للفئات‭ ‬العمريّة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتوفير‭ ‬المعينات‭ ‬والوسائل‭ ‬التعليميّة،‭ ‬والمناخ‭ ‬الصحيّ‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المشروع‭.‬

إنّ‭ ‬مشوار‭ ‬تأهيل‭ ‬لغتنا‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬ليس‭ ‬بذلك‭ ‬البُعد‭ ‬الذي‭ ‬يتصوّره‭ ‬بعضنا،‭ ‬فالمقومات‭ ‬الضروريّة‭ ‬لتحقيقه‭ ‬متوافرة،‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نشاط‭ ‬مثابر‭ ‬لإدارة‭ ‬عجلته،‭ ‬نحو‭ ‬بعث‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬للغتنا‭ ‬الحضاريّة‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬العجالة،‭ ‬أدعو‭ ‬كل‭ ‬المثابرين‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والباحثات‭ ‬النّوبيّين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والسّودان،‭ ‬التواضع‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬خليّة‭ ‬لغويّة،‭ ‬كنواة‭ ‬لمجمع‭ ‬لغويّ‭ ‬نوبيّ،‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬والدراية‭ ‬بخوافي‭ ‬لغتنا،‭ ‬لتقوم‭ ‬بتقييم‭ ‬وتقويم‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭.‬

هناك‭ ‬بعض‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬تنادي‭ ‬بالأبجدية‭ ‬النّوبيّة‭ ‬في‭ ‬التداول‭ ‬الكتابيّ،‭ ‬لأسباب‭ ‬وجيهة،‭ ‬تصبُّ‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬التمسّح‭ ‬بالفوح‭ ‬التاريخيّ‭ ‬للحضارة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬والمطلوب‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬السعي‭ ‬الحثيث‭ ‬إلى‭ ‬بلوغ‭ ‬تلك‭ ‬الغاية،‭ ‬عمليّاً‭ ‬وليس‭ ‬نظريّاً،‭ ‬ففي‭ ‬فصول‭ ‬الدّراسة‭ ‬يجب‭ ‬تعليم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬بالأبجديّة‭ ‬النّوبيّة‭ (‬الموحّدة‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬المؤلّفات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالمخزون‭ ‬الثقافيّ‭ ‬النّوبيّ،‭ ‬لكن‭ ‬ولأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬منها،‭ ‬حداثة‭ ‬تداول‭ ‬الأبجدية‭ ‬النّوبيّة‭ ‬كتابة‭ ‬وقراءة،‭ ‬بين‭ ‬العامّة‭ ‬من‭ ‬النّوبيّين،‭ ‬وإلى‭ ‬حاجتنا‭ ‬الماسة‭ ‬للتعرف‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬الباحثين‭ ‬والدارسين‭ ‬الأجانب،‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬اللّغة‭ ‬والثقافة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬فقد‭ ‬اتخذتُ‭ ‬الحرف‭ ‬الإنجليزيّ‭ ‬لكتابة‭ ‬المفردة‭ ‬النّوبيّة،‭ ‬وإلى‭ ‬جانبها‭ ‬الحرف‭ ‬العربيّ،‭ ‬واتخذتُ‭ ‬العربية‭ ‬لغةً‭ ‬للشرح،‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬قواعد‭ ‬لغة‭ ‬نوبين‭.‬

أ‭.‬د‭. ‬يحيى‭ ‬محمود‭ ‬بن‭ ‬جنيد‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬والتواصل
المعرفي‭ ‬بالرياض

والشّاهد‭ ‬أنّ‭ ‬التجارب‭ ‬لم‭ ‬تهتمّ‭ ‬كثيراً‭ ‬بصياغة‭ ‬قواعد‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬بأيّ‭ ‬من‭ ‬لهجاتها،‭ ‬ويبدو‭ ‬لي‭ ‬أنّها‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوصف‭ ‬والمطابقة،‭ ‬مع‭ ‬قواعد‭ ‬اللّغة‭ ‬العربيّة‭ ‬أو‭ ‬الإنجليزيّة‭ ‬ومصطلحاتها‭. ‬والثابت‭ ‬أيضاً،‭ ‬أنه‭ ‬يستحيل‭ ‬تدريس‭ ‬اللّغة‭ ‬النّوبيّة‭ ‬ولهجاتها‭ ‬للمتحدثين‭ ‬بها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬الناطقين‭ ‬بها‭. ‬قبل‭ ‬صياغة‭ ‬ضوابطها‭ ‬القاعديّة،‭ ‬واستكشاف‭ ‬آليّات‭ ‬التفعيلة‭ ‬والاشتقاق‭ ‬فيها،‭ ‬وإبراز‭ ‬الفوارق‭ ‬البنائيّة‭ ‬التي‭ ‬تميّزها‭ ‬عن‭ ‬اللّغات‭ ‬الأخرى‭.‬