نطل عليكم القراء الأفاضل أينما كنتم عبر العدد الثاني من مجلة «نوبيانا»، التي تمثِّل مع موقعها الإلكتروني مشروعاً ثقافيَّاً مهمَّاً في زمن الجدب، تُشكر عليه الرابطة النوبية السودانية في المملكة المتحدة.
تأتي هذه الإطلالة الثانية بعد العدد الأول الذي وجد أصداءً طيبة، وتفاعلاً كبيراً، بما يضاعف مسؤولية القائمين على هذا العمل، من إداريين، ومحررين، وكُتَّاب، ومستشارين، ومصممين، ويضعهم جميعاً أمام تحدِّي الاستمرارية في وقت تتراجع فيه الصحافة الورقية، كما كثرت الأعباء على جمهور القراء ومحبي الثقافة، فأصبحوا مشغولين بالبحث عن مصادر الرزق، لمواجهة المتطلبات الرئيسة للحياة، لكن ما وجده العدد الأول من حفاوة، وإقبال على اقتناء المجلة، والاهتمام بالكتابة فيها يحثنا على المضي قدماً في المغامرة، وخصوصاً أنَّ الأمل يحدونا في أن تفرز التجربة مؤسسة ثقافية راسخة لها أهدافها في خدمة الحضارة النوبية، من خلال بحوث علمية يسهم فيها أهل العلم والخبرة؛ لمزيد من إلقاء الضوء على حضارة نتغنى بها، ولم نسع إلى رعايتها بالمستوى الذي يليق بعظمتها، ورفدها للحضارة الإنسانية بدرر وكنوز في المجالات كافة.
وتمثِّل تجربة الطباعة في مصر عبر دار النخبة العربية مهمَّة جدَّا؛ لموقع القاهرة في الخريطة الثقافية في منطقتنا العربية، وقارتنا الأفريقية، ولا أدل على ذلك من وصول المجلة إلى قطاع عريض من المثقفين والباحثين من غير النوبيين، والأضواء الإعلامية التي صاحبت صدور طبعة القاهرة.
ولعل فتح الملفات ذات الأهمية القصوى في مجتمعنا النوبي هو ما يميز «نوبيانا»، فبعد طرقها قضية اللغة النوبية، وكيفية ضمان استمراريتها، بتدريسها، واجتذاب الشباب لتعلمها، والاعتزاز بها، من خلال خبراء لهم باع طويلة في البحث العلمي، ومناهج التدريس، مع تجربة عريضة، يطرح العدد الثاني قضية السياحة المؤرقة ليس فقط للنوبيين، وإنما لمصر والسودان عموماً، ويدلي أصحاب التجربة بدلوهم، مستصحبين تجاربهم، ليلقوا الضوء على تفاصيل الخريطة السياحية، ومفاتيح الحلول لما تواجهه السياحة في بلدينا من مشكلات ومعوِّقات، مركزين حديثهم على المنطقة النوبيين. واهتمَّ الملف بإبراز عناصر السياحة ومقوماتها غير المستغلة، مع فتح كوة ضوء، عبر تجارب رواد الأعمال، الذين يستحقون الرعاية حتى ترسخ تجاربهم، وتعلو همتهم في ميدان يستوعب مغامرات أهل الريادة، الذين لا يستسهلون، متسلحين بالشغف، واستشراف المستقبل بالبشر والتفاؤل.
واحتفاءً بمبدعينا، جاء تناول الفنان الكبير محمد وردي، من خلال محاور تبرز قيمته الفنية، وإبداعه الشعري باللغة النوبية، مع البعد الاجتماعي، الذي يبرز بساطة الفنان القامة، وتفاعله مع أبناء مجتمعه؛ بوصفه واحداً منهم، فيتعامل معهم من دون تكلف.
وامتدَّ هذا الاحتفاء ليشمل الأديب الكبير حجاج أدول ابن النوبة والإسكندرية، الذي أجرت معه «نوبيانا» حواراً جمع بين البساطة والعمق، وهاتان صفتان تميِّزانه، وتتيحان له الغوص في بحر مجتمعه، ليصيد منه الجواهر التي تزين جيد أدبه، ليأتي معبراً عن أهله، وكاشفاً همومهم، ومعتزاً بهم، ولعل هذا الانتماء العميق لمجتمعي النوبة والإسكندرية هو ما يمنح منتجه الأدبي أبعاده الإنسانية.
ونعد القراء التزام موعد الإصدار من العدد المقبل، الذي سيكون محوره الرئيس حول آثارنا، وكيفية المحافظة عليها، في ظلِّ ما تتعرض له من نهب ممنهج من ناحية، وإهمال غير مسوغ من ناحية أخرى، وسوف نقود معاً حملة واسعة من أجل أن يصل صوتنا إلى العالم، مع أهمية توزيع الأدوار، والتفاعل مع هذه القضية المحورية التي تتصل بالحفاظ على هويتنا، كلٌّ بما يستطيع.
وتتيح «نوبيانا» لرجال الأعمال وأصحاب المشروعات فرصة الإعلان والرعاية، اللذين يمثلان وسيلة للإشهار والانتشار لهم، من خلال المجلة الورقية والإلكترونية، والموقع الإلكتروني، كما أنهما يُعدَّان وسيلة لدعم المجلة؛ لتواصل أداء رسالتها، وقد أعدت «نوبيانا» تعريفاً شاملاً على شكل إصدار يوضح هذا الأمر؛ آملين أن يجد التجاوب المأمول، ودمتم بخير.