د. حسين حسن حسين

في ظلِّ الظرف التاريخي المعقد الذي يمرُّ به الوطن، يبدو من المهم تلمس بعث الأمل في غدٍ أفضل بإذن الله، تصبح فيه هذه التجربة المريرة ذكرى من الماضي؛ ومستودعاً للخبرات، ننهل منه في رسم خريطة الطريق لمجتمع أكثر حفاوة بالحياة، وأوعى في اتِّخاذ ما يحقق له السلم والأمن، وهما أساس الاستقرار والتنمية.

وعندما عرضت عليَّ الرابطة النوبية السودانية بالمملكة المتحدة برئاسة الأستاذ رضا بدر فكرة إطلاق مجلة تكون لسان حال النوبيين، أحسست بالفرح والتردد في آنٍ واحد. الفرح لأنَّ هناك ما زال أناس في ساحتنا النوبية يبذلون الجهد في العمل العام؛ بل يحاولون التجويد، ويتلمسون سبل ترجمة أفكارهم، ويشركون الآخرين، حتى أولئك الذين خارج دائرتهم الجغرافية، أما مبعث التردد هو مدى إمكان الإسهام في تحويل فكرتهم إلى حقيقة؛ لأن ثقة الناس هم ثقيل يجعل المرء يخشى ألا يكون على مستوى التوقع، وأن يكون ترشيحي من رجل أقدره وأعزه، ألا وهو الدكتور صلاح محجوب فهذا وحده يكفي لأشعر بأن جبالاً من الهموم قد جثمت على صدري. ويُضاف إلى ذلك أنَّ التفكير في الصحافة الورقية مفارق لحقائق الواقع، كون أنَّها تشهد تراجعاً في كل العالم.

وكان أول شيء اتفقنا عليه أن نفكر معاً بصوت عالٍ، ووفقاً لذلك أضع تصوري، وأفضى النقاش إلى أن تكون المجلة هي رأس الخيط، ومن ثم، يجب التفكير في كيفية الاستفادة من وسائل الإعلام الجديد، فجاءت فكرة إطلاق موقع إلكتروني حاوٍ لكل الوسائل، بما فيها المجلة، وهذا يعني أنَّ «نوبيانا» مشروع إعلامي متكامل قابل للتوسع؛ والإسهام في رفد الحراك النوبي، وإثرائه.

لم يكن إيجاد هذا الطريق سهلاً، لأنَّه تطلب الاستعانة بالزملاء من الصحفيين والفنانين من مبرمجين، ومصممين، وبالطبع استصحاب كل المهمومين بالقضية النوبية بجوانبها المختلفة، وكانت البداية بمجموعة واتساب فيها عدد مقدر من الباحثين، وأصحاب الفكر والمبادرات في الشأن النوبي، وقد أتحفونا جميعاً بأفكار عظيمة ستجد طريقها بإذن الله إلى التنفيذ، إذا استمرينا في هذا التدافع الجميل، والشعور النبيل الذي يعمر قلوب جميع المشاركين في هذا المشروع.

وتوسيعاً لقاعدة المشاركة، كان إطلاق صفحة الفيسبوك باسم «نوبيانا». نعم الاسم الذي تشاركنا في اختياره هو «نوبيانا»، وكان صاحب المقترح هو الباحث الفنان مكي علي إدريس، ولم يكن هذا الاسم الفخيم (أقصد مكي) كافياً لإجازة المقترح، وإنما خُضع لنقاش مستفيض، حتى جاء التصويت لصالحه.

وكل الخطوات بعد ذلك كان عن طريق النقاش، الذي كان يبلور الفكرة، ويجود الأداء، حدث هذا في التصور الذي رفعته سواء عن المجلة والموقع وتبويبهما، وفي الشعار الذي أبدعه الفنان معتز عبدالماجد، الذي يقوم أيضاً بمسؤولية الموقع من ناحيتي البرمجة والتصميم، ليواصل عطاؤه في العمل النوبي، بعد أن أبدع في احتفالات وردي الوطن في الرياض، ومعه الأستاذ محمد ياسين، الذي يكون دوماً حيث العطاء النبيل، ومثلهما أخي الفنان إبراهيم حسن (هيما كبرنارتي)، الذي كان له قصب السبق في تصميم (معجم اللغة النوبية) للأستاذين مكي علي إدريس وخليل عيسى خليل -رحمه الله-، ثم تبعه أخي الفنان عماد عبدالله، الذي صمم الطبعة الصادرة عن مركز البحوث والتواصل المعرفي في الرياض.

أما الفنان عمار عبدالقيوم المجبول على العمل الطوعي، فلم يتردد في تحمل مسؤولية تصميم النسخة الورقية للمجلة، ولا أستطيع تقديم شهادة تُعدُّ مجروحة في حق الزميل العزيز، الذي تؤكد مشاركته هو ومعتز أن «نوبيانا» تجمع كل أبناء الوطن، بقدر ما هي نوبية تتحدث بلسان النوبيين من أسوان إلى دنقلا. وسعدناً -حقاً- أن يكون على رأس هذه الكتيبة الفنية الفنان معتز بدوي، بإبداعه وخبراته الواسعة.

أعجز- نيابة عن الرابطة وباسمي- عن شكر كل الكتَّاب من الباحثين والزملاء الصحفيين الذين جمَّلوا العدد الأول بمساهماتهم، وشكراً لمن وثقوا بنا وبادروا بتقديم ما لديهم من أفكار ومقالات، سترى النور في الأعداد المقبلة، وكان بودي ذكر كل الأسماء، لكن الأمر ليس بهذا اليسر، في ظلِّ تزايد الأعداد، والاندفاع لإنجاح هذا المشروع الجامع، الذي يأتي إطلاقه في يوم جامع، ألا وهو اليوم النوبي العالمي، الذي نبرز فيه للعالم جوانب مشرقة من حضارتنا، كما نترحم فيه على صاحب المبادرة الأستاذ محمد سليمان أحمد (ولياب)، وكل الذين رحلوا عن هذه الفانية، وهم يبذلون كل غالٍ ونفيس من أجل أهلهم في النوبة، وفي بلدينا السودان ومصر.

وأن تطلق الرابطة النوبية السودانية هذا المشروع الحضاري في ذكرى يوبيلها الفضي فهو التتويج ذاته لجهود مخلصة مبذولة على مدى ربع القرن. نفع الله بكم، وأتمَّ علينا نعمه بفتح بصرنا وبصيرتنا على ما يمكث في الأرض وينفع الناس.