إنَّ‭ ‬نهضة‭ ‬مناطقنا‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬تراث‭ ‬الحضارة‭ ‬القديمة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬النُّوبيَّة،‭ ‬تمثِّل‭ ‬فرصة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها،‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬حركة‭ ‬السِّياحة‭ ‬المحليَّة‭ ‬والإقليميَّة‭ ‬والعالميَّة،‭ ‬وهذه‭ ‬الإمكانيَّة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬بقايا‭ ‬لتطلعات‭ ‬تاريخيَّة،‭ ‬أو‭ ‬خفايا‭ ‬خفوق‭ ‬لعوامل‭ ‬تراثيَّة‭ ‬تستمد‭ ‬رونقها‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬عالميَّة‭ ‬عريقة،‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬ومازالت‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬القرون‭. ‬ولكنها‭ ‬قوة‭ ‬ديناميكيَّة‭ ‬يمكن‭ ‬تسخيرها‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مزيج‭ ‬استراتيجي‭ ‬من‭ ‬مشروعات‭ ‬لريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬مع‭ ‬المشاركة‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنيّ‭. ‬

تُعدُّ‭ ‬المشروعات‭ ‬متناهية‭ ‬الصغر‭ ‬والصَّغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬للنموِّ‭ ‬الاقتصاديِّ،‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لفئات‭ ‬كثيرة‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬الريفيَّة‭. ‬فهي‭ ‬أعمال‭ ‬مرنة،‭ ‬وقابلة‭ ‬للتكيُّف،‭ ‬ومتجذِّرة‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحليَّة؛‭ ‬بخاصّة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬موجَّهة‭ ‬نحو‭ ‬الأسرة،‭ ‬فإنَّها‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬مشروعات‭ ‬الأسر‭ ‬المنتجة‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الممارسات‭ ‬العالميَّة‭ ‬طلباً،‭ ‬بخاصة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬يتَّسم‭ ‬بالتغيُّر‭ ‬التكنولوجيِّ‭ ‬السَّريع،‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين‭ ‬الاقتصاديِّ‭. ‬إنَّها‭ ‬مشروعات‭ ‬تعزِّز‭ ‬الشُّعور‭ ‬بالمسؤوليَّة‭ ‬المشتركة،‭ ‬ونقل‭ ‬المعرفة‭ ‬بين‭ ‬الأجيال،‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬أمة‭ ‬ذات‭ ‬حضارة‭ ‬عريقة‭ ‬تستلهم‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬أخلاقيّات‭ ‬العمل‭ ‬المتوارثة‭ ‬والممتدَّة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬جيل،‭ ‬لتقدِّم‭ ‬للعالم‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬تلك‭ ‬الأخلاق،‭ ‬والمتمثِّلة‭ ‬في‭ ‬أمانتها‭ ‬وصدقها‭ ‬وجدارة‭ ‬منتجاتها‭ ‬من‭ ‬السِّلع‭ ‬والخدمات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتراثها،‭ ‬وحضارتها،‭ ‬وعاداتها،‭ ‬وتقاليدها‭ ‬المتفرِّدة‭.    ‬

تبدأ‭ ‬معظم‭ ‬مشروعات‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬التجاريَّة،‭ ‬ومشروعات‭ ‬الأسر‭ ‬المنتجة‭ ‬باقتناص‭ ‬الفرص‭ ‬المتاحة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬والسُّوق،‭ ‬وإجراء‭ ‬دراسة‭ ‬أوليَّة‭ ‬سريعة‭ ‬لتحديد‭ ‬وصقل‭ ‬الفكرة‭ ‬الابتكاريَّة‭ ‬التي‭ ‬سيجري‭ ‬تنفيذها‭ ‬طوال‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬المشروع،‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطويرها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬الاختبارات‭ ‬التجريبيَّة،‭ ‬وإجراء‭ ‬التقييم‭ ‬المناسب‭ ‬للفكرة‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬الضروريَّة‭ (‬السوقيَّة،‭ ‬والماليَّة،‭ ‬والفنيَّة‭) ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬عادة‭ ‬دراسة‭ ‬الجدوى‭ ‬الرئيسة‭ ‬أو‭ ‬النهائيَّة‭ ‬للمشّروع‭.‬

يجري‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تقييم‭ ‬الفكرة،‭ ‬اتِّخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الإداريَّة‭ ‬المناسبة‭ ‬كافة‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع،‭ ‬وهي‭ ‬القرارات‭ ‬المبنيَّة‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬بعض‭ ‬المفاهيم‭ ‬المتعلِّقة‭ ‬بالمشروع،‭ ‬مثل‭: ‬اعتماد‭ ‬الأدلَّة‭ ‬والبراهين‭ ‬الموثَّقة،‭ ‬أو‭ ‬الداعمة‭ ‬لفكرة‭ ‬المشروع‭ ‬وطبيعته‭ (‬Proof of Concept‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يراعى‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لاحقة،‭ ‬إجراء‭ ‬تقييم‭ ‬شامل‭ ‬للمشروع‭ ‬قبل‭ ‬إعداد‭ ‬مؤشرات‭ ‬الأداء‭ ‬الفرديَّة‭ ‬والرئيسة،‭ ‬وتحديدها،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬دراسة‭ ‬بعض‭ ‬القراءات‭ ‬المتعلِّقة‭ ‬بالمشروع،‭ ‬وتحليلها،‭ ‬ومراجعتها،‭ ‬من‭ ‬قِبّل‭ ‬المصادر‭ ‬المحليَّة‭ ‬أو‭ ‬العالميَّة‭ ‬المعتمدة‭.‬

ولما‭ ‬كانت‭ ‬منطقتنا،‭ ‬تنعم‭ ‬بموارد‭ ‬طبيعيَّة‭ ‬ومواد‭ ‬خام‭ ‬وفيرة،‭ ‬فهذه‭ ‬الموارد‭ ‬كنز‭ ‬دفين‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬يستكشفها‭. ‬ويكمن‭ ‬التحدِّي‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬الأصول‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬اقتصاديَّة‭ ‬قابلة‭ ‬للحياة‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يمكن‭ ‬إطلاق‭ ‬مشروعات‭ ‬سياحيَّة‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬بأقل‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الاستثمار،‭ ‬ولكنها‭ ‬تحقق‭ ‬عوائد‭ ‬كبيرة‭. ‬خذ‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬لمشروعات‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬التي‭ ‬تتصدَّى‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬تنتمي‭ ‬لأسر‭ ‬وعائلات‭ ‬متعاونة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬

يمكننا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ذكر‭ ‬بعض‭ ‬الاقتراحات‭ ‬العمليَّة‭ ‬لمشروعات‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬السِّياحة‭ ‬المحليَّة،‭ ‬بخاصة‭ ‬أنَّ‭ ‬مناطقنا‭ ‬جاذبة‭ ‬لزيارة‭ ‬أفواج‭ ‬من‭ ‬السُّيَّاح‭ ‬والقادمين‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الولايات‭ ‬والمحافظات‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬السًّودان‭ ‬أو‭ ‬مصر،‭ ‬والمنطقة‭ ‬الإقليميَّة،‭ ‬ومن‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭. ‬كالاستفادة‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬العمارة‭ ‬النُّوبيَّة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬التراثيّ‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬تجارب‭ ‬نوبيَّة‭ ‬أصيلة،‭ ‬مثل‭ ‬المنازل‭ ‬النُّوبيَّة‭ ‬التراثيَّة‭ ‬المبنيَّة‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬محليَّة،‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬نُزل‭ ‬للرَّاحة‭ ‬وفنادق‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة،‭ ‬أو‭ ‬تجهيزات‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مطاعم‭ ‬تعرض‭ ‬الأطباق‭ ‬النوبيَّة‭ ‬التقليديَّة،‭ ‬وجولات‭ ‬طهي‭ ‬بقيادة‭ ‬كافة‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المحليّ؛‭ ‬أو‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬معامل‭ ‬ودور‭ ‬لورش‭ ‬حرفيَّة‭ ‬محليَّة،‭ ‬تنتج‭ ‬مصنوعات‭ ‬يدويَّة‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬النوبيّ‭. ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬طين‭ ‬جروفها‭ ‬وسعف‭ ‬نخيلها‭ ‬وجلود‭ ‬حيواناتها،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تُدر‭ ‬هذه‭ ‬المشروعات‭ ‬دخلاً‭ ‬ماليّاً‭ ‬للأسر‭ ‬المنتجة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تحافظ‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الهويَّة‭ ‬الثقافيَّة‭ ‬النوبيَّة،‭ ‬واستدامة‭ ‬مقومات‭ ‬الحضارة‭ ‬النوبيَّة‭.‬

إنّ‭ ‬تحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتيّ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأسرة‭ ‬هو‭ ‬حجر‭ ‬الزّاويَّة‭ ‬في‭ ‬التنميَّة‭ ‬المستدامة‭. ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬مؤشرات‭ ‬التنافسيَّة‭ ‬العالميَّة،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬إقامة‭ ‬القرى‭ ‬النموذجيَّة‭ ‬الذكيَّة،‭ ‬حيث‭ ‬تتشابك‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬ورفاهيَّة‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تقطنها،‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬بمثابة‭ ‬منارات‭ ‬للتقدّم،‭ ‬والرقي‭ ‬والاستدامة‭ ‬للحضارة‭ ‬النوبيَّة‭ ‬والاستدامة‭ ‬البيئيَّة‭. ‬ولا‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬القرى‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬نوعيَّة‭ ‬الحياة‭ ‬للمقيمين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تجتذب‭ ‬أيضاً‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬السياح‭ ‬والباحثين‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬لحضارات‭ ‬أمميَّة‭ ‬أصيلة‭. ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬ترابط‭ ‬العالم‭ ‬وتكاملها،‭ ‬سوف‭ ‬تنتشر‭ ‬شهرة‭ ‬وسمعة‭ ‬تراثنا‭ ‬النوبيّ‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬مما‭ ‬يجذب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬المتحمسين‭ ‬لاستكشاف‭ ‬هذه‭ ‬الزاويَّة‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬التآزر‭ ‬الحضاريّ‭ ‬الذي‭ ‬يتمتَّع‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬نوبيِّ‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬والانسجام‭ ‬العاطفيِّ‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬حضارتهم‭ ‬التي‭ ‬تجمعهم،‭ ‬وتُشكِّل‭ ‬كيانهم‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهو‭ ‬العامل‭ ‬الأهمُّ‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعتمد‭ ‬عليه‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬مقدراتنا‭ ‬تجاه‭ ‬تعزيز‭ ‬حركة‭ ‬السِّياحة‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬بالتسويق‭ ‬لآثارنا،‭ ‬وزيادة‭ ‬الزيارات‭ ‬الاستكشافيَّة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬إلى‭ ‬مناطقنا‭. ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يتأتَّى‭ ‬تحقيق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تكاتف‭ ‬أبنائها،‭ ‬وتعاون‭ ‬جمعياتها،‭ ‬وشراكة‭ ‬الكيانات‭ ‬المجتمعيَّة‭ ‬العاملة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وفق‭ ‬رؤى‭ ‬علميَّة‭ ‬معاصرة‭ ‬نحو‭ ‬إقامة‭ ‬مشروعات‭ ‬عمل‭ ‬متناهيَّة‭ ‬الصغر‭ ‬وصغيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬ومشروعات‭ ‬للأسر‭ ‬المنتجة،‭ ‬وتوجيهها‭ ‬للصالح‭ ‬العام،‭ ‬ولصالح‭ ‬الفرد‭ ‬النوبيِّ‭. ‬فالمشروعات‭ ‬الأسريَّة‭ ‬المنتجة‭ ‬توفر‭ ‬السِّلع،‭ ‬والخدمات‭ ‬لصناعة‭ ‬السِّياحة،‭ ‬التي‭ ‬تُعدُّ‭ ‬في‭ ‬رؤيَّة‭ ‬2030‭ ‬أحد‭ ‬أهداف‭ ‬التنميَّة‭ ‬المستدامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تخلق‭ ‬أعمال‭ ‬المسؤوليَّة‭ ‬المجتمعيَّة‭ ‬للمشروعات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬السِّياحة،‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬والخبرات‭ ‬المحليَّة،‭ ‬فيكون‭ ‬الفرد‭ ‬منتجاً‭ ‬بأقل‭ ‬التكاليف،‭ ‬متمتِّعاً‭ ‬بأقل‭ ‬الاشتراطات‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬تحدِّيات‭ ‬الأعمال،‭ ‬والوظائف‭ ‬المتاحة‭ ‬للشّباب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬عائداً‭ ‬جيِّداً‭ ‬للاستثمار‭ ‬الذاتيِّ،‭ ‬ينتشل‭ ‬مجتمعات‭ ‬بأكملها‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬إلى‭ ‬الرفاهيَّة،‭ ‬ويخلق‭ ‬اقتصاداً‭ ‬مزدهراً‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الريفيَّة‭. ‬

أمثلة‭ ‬لأفكار‭ ‬مشروعات‭ ‬تنمويَّة

فيما‭ ‬يلي‭ ‬أمثلة‭ ‬لبعض‭ ‬مشروعات‭ ‬رياديَّة‭ ‬الأعمال‭ ‬القابلة‭ ‬للتطبيق‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬النوبيَّة،‭ ‬أو‭ ‬مشروعات‭ ‬الأسر‭/‬العائليَّة‭ ‬المنتجة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تنفيذها‭ ‬في‭ ‬مناطقنا‭ ‬الغنيَّة‭ ‬بالتراث‭ ‬النوبيّ‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعيَّة‭:‬

الزراعة‭ ‬العضويَّة‭ ‬والسِّياحة‭ ‬الزراعيَّة‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬للعائلات‭ ‬والأسر‭ ‬النّوبيَّة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬أراضيهم‭ ‬الزّراعيَّة‭ ‬ذات‭ ‬التربة‭ ‬المتجدِّدة؛‭ ‬لزراعة‭ ‬محاصيل‭ ‬عضويَّة‭ ‬متنوِّعة،‭ ‬مثل‭: ‬التمور،‭ ‬والخضروات،‭ ‬والفواكه،‭ ‬كما‭ ‬يمكنهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬توفير‭ ‬جولات‭ ‬سياحيَّة‭ ‬للزوَّار‭ ‬لتجربة‭ ‬قطف‭ ‬الثّمار،‭ ‬وتعلم‭ ‬تقنيات‭ ‬الزّراعة‭ ‬العضويَّة‭.‬

تربيَّة‭ ‬النحل‭ ‬وإنتاج‭ ‬العسل‭:‬‭ ‬يٌعدُّ‭ ‬النحل‭ ‬من‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعيَّة‭ ‬المهمَّة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويمكن‭ ‬للعائلات‭ ‬إنشاء‭ ‬خلايا‭ ‬نحل‭ ‬منتجة،‭ ‬وتسويق‭ ‬عسل‭ ‬التمور‭ ‬النقيّ‭ ‬ذي‭ ‬الجودة‭ ‬العاليَّة،‭ ‬والمتفردة‭ ‬عالميَّاً،‭ ‬إذ‭ ‬يمكنهم‭ ‬أيضاً‭ ‬تنظيم‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬حول‭ ‬تربيَّة‭ ‬النّحل،‭ ‬وإنتاج‭ ‬عسل‭ ‬التمور،‭ ‬وتذوُّقه‭.  ‬

الحرف‭ ‬اليدويَّة‭ ‬التقليديَّة‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬الحرف‭ ‬اليدويَّة‭ ‬التقليديَّة‭ ‬النوبيَّة،‭ ‬مثل‭ ‬النسيج‭ ‬والسّلال‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النّخيل،‭ ‬والفخار‭ ‬من‭ ‬طين‭ ‬الجروف،‭ ‬ويمكن‭ ‬للعائلات‭ ‬إنتاج‭ ‬منتجات‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬وتسويقها،‭ ‬وبيعها‭ ‬للسّياح‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المحليَّة،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭.‬

السِّياحة‭ ‬البيئيَّة‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعيَّة‭ ‬الخلابة‭ ‬بإقامة‭ ‬الرحلات‭ ‬السياحيَّة‭ ‬النيليَّة،‭ ‬والسِّياحة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الوديان‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬أنشطة‭ ‬سياحيَّة‭ ‬بيئيَّة‭ ‬مثل‭: ‬التخيّيم،‭ ‬وركوب‭ ‬القوارب،‭ ‬ورحلات‭ ‬السّفاري،‭ ‬وتسلّق‭ ‬الجبال‭ ‬المتاخمة‭ ‬لمناطقنا‭ ‬بالولاية‭ ‬الشَّماليَّة‭.‬

إنتاج‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائيَّة‭ ‬التقليديَّة‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬للعائلات‭ ‬إنتاج‭ ‬الأغذيَّة‭ ‬التقليديَّة‭ ‬النوبيَّة‭ ‬مثل‭ ‬الخبز،‭ ‬وأكلات‭ ‬المطعم‭ ‬النوبيّ‭ ‬من‭ ‬البقول‭ ‬المحليَّة،‭ ‬وأسماك‭ ‬النّيل،‭ ‬والمشروبات،‭ ‬والبهارات،‭ ‬وتسويقها‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬والفنادق‭ ‬التي‭ ‬ستُقام‭ ‬خصيصاً‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قرى‭ ‬سياحيَّة،‭ ‬وتراثيَّة‭.‬

تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬والصدارة‭ ‬لمستقبل‭ ‬هذه‭ ‬المشروعات

يجب‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬سلاسل‭ ‬القيمة‭ ‬المحليَّة‭ ‬والعالميَّة‭ ‬بأكملها،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬عمليَّات‭ ‬الإنتاج‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬التسويق‭ ‬والتوزيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭: ‬

التعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنيّ‭ ‬المحليَّة‭/‬العالميَّة‭ ‬غير‭ ‬الحكوميَّة‭: ‬لتقوم‭ ‬بتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬التقنيِّ‭ ‬والماليِّ،‭ ‬وتوفير‭ ‬التدريب‭ ‬والتطوير‭ ‬للعائلات؛‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المشروعات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬وإدارة‭ ‬أعمال‭ ‬الأسر‭ ‬المنتجة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬حركة‭ ‬السِّياحة‭ ‬المحليَّة‭ ‬والإقليميَّة‭ ‬والعالميَّة‭.‬

بناء‭ ‬الشراكات‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬السياحيِّ‭ ‬الخاص‭:‬‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬التمويل،‭ ‬وتسويق‭ ‬المنتجات،‭ ‬وتوزيعها‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬المحليَّة‭ ‬عند‭ ‬إقامة‭ ‬المشروعات،‭ ‬وإدارتها‭.‬

تطوير‭ ‬العلامات‭ ‬التجاريَّة‭ ‬المحليَّة‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬إنشاء‭ ‬علامات‭ ‬تجاريَّة‭ ‬قويَّة‭ ‬للمنتجات‭ ‬النّوبيَّة‭ ‬لتعزيز‭ ‬هويتها‭ ‬وتسويقها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المحليَّة‭ ‬والدوليَّة،‭ ‬مع‭ ‬التركز‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والثقافة‭ ‬المحليَّة

الاستفادة‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬التسويقيَّة‭:‬‭ ‬المتاحة‭ ‬بمنصَّات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنترنت،‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الذكيَّة‭ ‬في‭ ‬عمليَّات‭ ‬الترويج‭ ‬للمنتجات،‭ ‬والخدمات،‭ ‬والتفاعل‭ ‬مع‭ ‬العملاء‭.‬

استدامة‭ ‬المشروعات

لتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬في‭ ‬المشروعات‭ ‬الرياديَّة‭ ‬والمشروعات‭ ‬العائليَّة،‭ ‬يجب‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬الآتي‭:‬

الموارد‭ ‬الطبيعيَّة‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬استخدام‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعيَّة‭ ‬والخامات‭ ‬الأوليَّة‭ ‬بشكل‭ ‬مستدام،‭ ‬مع‭ ‬تجنُّب‭ ‬تراكم‭ ‬النفايات‭ ‬وأنواع‭ ‬التلوُّث‭ ‬كافة‭.‬

الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الثقافيِّ‭ ‬النوبيِّ،‭ ‬وتشجيع‭ ‬السِّياحة‭ ‬الثقافيَّة‭ ‬والمعرفيَّة‭ ‬بالحضارة‭ ‬النّوبيَّة‭. ‬

تطوير‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحليَّة‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحليَّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬والخدمات‭ ‬الأساسيَّة،‭ ‬والتوعيَّة،‭ ‬وتدريب‭ ‬روَّاد‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬كيفيَّة‭ ‬إقامة‭ ‬مشروعاتهم‭ ‬الرياديَّة‭ ‬الخاصّة،‭ ‬سبيلاً‭ ‬إلى‭ ‬نمو‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وتطوُّرها‭.‬

الخلاصة‭:‬

تتمتَّع‭ ‬المناطق‭ ‬النّوبيَّة‭ ‬بإمكانات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعيَّة،‭ ‬والثقافيَّة،‭ ‬والخامات‭ ‬الأوليَّة‭ ‬المتاحة‭ ‬بوفرة‭ ‬بالمنطقة؛‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬مشروعات‭ ‬رياديَّة‭ ‬عائليَّة‭ ‬ناجحة،‭ ‬تكون‭ ‬ثورة‭ ‬ذاتيَّة‭ ‬لنهضة‭ ‬نوبيَّة‭ ‬ملموسة،‭ ‬تحقق‭ ‬بها‭ ‬المنطقة‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬المتمثِّلة‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬السّكان‭ ‬المحليين،‭ ‬سبيلاً‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬سيرتها‭ ‬الحضاريَّة‭ ‬الأولى‭.‬

لتحقيق‭ ‬جملة‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف،‭ ‬من‭ ‬الضروريِّ‭ ‬أن‭ ‬نستثمر‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬روّاد‭ ‬الأعمال،‭ ‬ودعمهم،‭ ‬وبخاصّة‭ ‬النِّساء‭ ‬والشَّباب‭. ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تمكينهم‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬واتِّخاذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرات‭ ‬النّاجحة‭. ‬لهذا‭ ‬دعونا‭ ‬نسخِّر‭ ‬روح‭ ‬النوبيِّين‭ ‬القدماء،‭ ‬ونستدعيها‭ ‬حاضرة‭ ‬مُجسَّدة‭ ‬أمامنا،‭ ‬لنبني‭ ‬عليها‭ ‬مستقبلًا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثنا‭ ‬الثقافيّ‭ ‬أو‭ ‬الحضاريّ‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬الاحتفال‭ ‬به‭ ‬ومشاركته‭ ‬مع‭ ‬العالم‭.‬