محمّد عمر طه باحث نوبي خاض تجربة إعداد ماجستير حول اللغة النوبية في جامعة أفريقيا العالمية، ويسعى إلى أن تتيح جامعة القاهرة دراسة هذه اللغة، كغيرها من اللغات الأفريقية، واستفاد من كونه شاعراً في استخدام الأغاني في تعليم النوبية، وهذا حوار قصير حول تجربته، وخاصة ما انتهى إليه من آراء.
أحبّ الألقاب إليك الشاعر الغنائي أم أستاذ اللّغة النّوبيّة؟
كلاهما يسعدانني.. حتى وإن كان رصيدي في الشعر ليس بالكثير، ولا أتحمس للكتابة إلا إذا قادتني حداثة الفكرة وندرتها، وحداثة الموضوع للكتابة، فغير ذلك لا أفكر في الكتابة؛ لأنني لا أحبذ تكرار موضوعات استهلكت كثيراً من الشعراء.
أما لقب أستاذ اللغة النّوبيّة فهي تسعدني؛ لأنَّه لقب خدمي أكثر من لقب تشريفي، بخاصة أنَّه جاء من خلال تدريسي للغة النّوبيّة منذ عقدين مضيا، حيث كنت من أوائل من قاموا بتمكين الحرف النوبيّ في الجمعيّات والنوادي النّوبيّة بالقاهرة والخرطوم.
هل من إضاءة حول تجربتك لدراسة اللغة النّوبيّة، ونيل درجة الماجستير من جامعة أفريقيا العالميّة بالخرطوم؟ ولماذا اعترض بعضهم على كتابة رسالة الماجستير باللغة العربية؟
رشحتني المؤسّسة المصريّة النوبية مشكورة لدراسة اللغة النوبية، من خلال طلب رئيس جمعية دنقلا الأخ محمّد عوض من المؤسسة ترشيح من تراه من المهتمين بهذه اللغة، وذلك في أثناء محاضرة بقاعة المؤسسة، فكنتُ مع عشرة طلاب من النّوبة السودانيّة، مكلفين بإعداد دراسات تخصّ اللغة النّوبيّة واستطعنا وضع أكثر من عشر رسائل متنوعة تخصّ اللغة النّوبيّة في المكتبة الجامعيّة؛ لنكون أول نواة لمن بعدنا من الدّارسين.
اما اعتراض بعضهم في موضوع كتابة الرسائل بالحرف العربيّ، فهذا كان غيرة من هؤلاء علي لغتهم النّوبيّة، أو بسبب هاجس أو مخاوف بداخلهم من أنّ كتابة اللّغة النّوبيّة بالحرف العربيّ سيؤدي إلى تعريب اللّغة النّوبيّة.
وردي على هؤلاء أنَّه رغم أنني أقوم بتدريس الحرف النوبيّ منذ عقود ومازلت، لا أستخدم الحرف العربيّ الا في الرسائل الجامعيّة؛ لأنّها هي المعترفة بها في الجامعات، وهنا لابد أن أشير إلى أنَّ استخدام اي رموز صوتيّة، ومن بينها العربيّة، لا يؤثر في متن اللّغات العريقة الرّاسخة، مثل: لغتنا النّوبيّة ولنا في كتابة اللّغة الفارسيّة بالحرف العربيّ خير مثال.
وبهذه المناسبة كنت في مناظرة في إذاعة وادي حلفا مع الشّاعر والأديب النوبيّ العملاق ميرغني ديشاب حول كتابة اللّغة النّوبيّة بالحرف العربيّ، وكان رافضاً بشدّة هذا التوجه، وبعد مساجلات بيني وبينه سألته سؤالاً: بأيّ الحروف تدون أشعارك النّوبيّة؟
قال: أدوّنها بالحرف العربيّ، قلت: إذن نحن نحتاج إلى الحرف العربي أحياناً، وهنا أسأل الجميع: ماذا يضيرنا لو قمنا بإضافة رموز صوتيّة خاصّة باللّغة النّوبيّة، مثل أحرف النجا، كما في مانج أو الكونج (العين او الوجه) باللغة النّوبيّة.. أو أضفنا رمزاً صوتيّاً يعبّر عن (النقا) مثل (انقا) بمعنى ابني.. أو التشا مثل (كوج) بمعنى استحمى.. هل سيسهّل ذلك قراءة الجمل والأشعار المكتوبة بالحرف العربي ّلمن لا يحبّذون الحرف النوبيّ أم لا؟
بالمناسبة هذه الأحرف موجودة بالفعل في جامعة أفريقيا العالميّة.
وهنا اقول إنّه من المهم بمكان أن نحافظ على لغتنا النّوبيّة بأي شكل من الأشكال وبأي رمز صوتيّ.
هل اللّغة النّوبيّة في طريقها إلى الانقراض لعدم استخدامها في أمورنا الحياتيّة؟
لو علمت أنَّ هناك نحو ٣٠٠ لغة حول العالم تنقرض سنويّاً، من المؤكّد أنّه سينتابنا هاجس الخوف من انقراض اللّغة النّوبيّة، بخاصة أن استخدام اللّغة النّوبيّة بدأ يقلُّ جدَّاً في بعض مناطق النّوبة المصريّة لأسباب كثيرة.
من خلال تجربتك بتدريس اللّغة النّوبيّة في السّودان ومصر ما العقبات التي لمستها؟
لا توجد عقبات، إذا كان المراد عقبات خارجيّة، لكن العقبات هي عدم تفرغ الدّارس والمدرّس، وعدم استمرارية التدريس لمدد طويلة؛ لتكون هناك دورة تدريبية كاملة، وعدم دعم دوليّ كما هو الحال في تعليم اللّغات الأجنبيّة، فكلّ الحاضرين للتعلّم هم مجتهدون يتركون بيوتهم وأشغالهم حباً في تعلم لغتهم، مصدر فخرهم، فكلاهما الدارس والمدرّس لهما أعباؤهما الماليّة والأسريّة، ورغم ذلك كنت أرى حماساً منقطع النظير لتعلّم اللغة والكتابة، بخاصّة في الجانب السودانيّ، وقد يكون ذلك لتوافر الوقت لديهم أكثر من ضغط الأعمال في المدن المصريّة.
هل الشّعر النوبيّ عندما يُتغنى به يصبح وسيلة أسرع وأسهل لانتشار اللغة والحفاظ عليها؟
بالطبع نعم، فالنوبيّ بطبعه يعشق الفنَّ، وكثير من النوبيين القاطنين بمصر والإسكندرية والخرطوم وغيرها من المدن يحفظون الأغاني عن ظهر قلب من خلال ترديدها في الأفراح والحفلات؛ لذا نستخدم أحياناً الأغاني والأشعار في التّدريس بعيداً عن تعقيدات القواعد والنحو والصرف.
ما الجديد فى مشروع إدخال قسم اللغة النّوبيّة فى معهد البحوث والدراسات الأفريقيّة بجامعة القاهرة؟
قمنا بمحاولات كثيرة للوصول إلى هذا الهدف، وذهبنا الي جامعة القاهرة للاجتماع بهم فكنت أنا والأستاذ مسعد هركي والأستاذ محمّد عوض وبعض أساتذة جامعة أفريقيا العالميّة لنطلعهم على تجربتنا في هذه الجامعة، ومرة أخرى ذهبتُ والدكتور مصطفى عبد القادر رئيس جمعية التراث النوبيّ بالقاهرة، والمشكلة أنّنا في كل مرّة نجد كامل الترحيب والحماس من أساتذة الجامعات، بخاصة أساتذة مركز الدّراسات والبحوث الأفريقيّة بجامعة القاهرة، لكن جميعهم يرون أنّ الأمر لابد أن يأتي من السّلطات العليا بمصر.
ونتمنى أن يأتي اليوم الذي نجد من يأخذ القرار بدون مخاوف غير موجودة في الواقع، فما الذي يضيرهم إذا تعاملنا مع اللّغة النّوبيّة، مثلها مثل اللّغات الأفريقيّة، وتقرر تدريسها أو أُتيح المجال لإعداد رسائل ماجستير ودكتوراه حولها، مثل بقية اللّغات؟