يحلى الأنس في بلادنا حضن القمر (أُنَتِّن مالّا)، مع اتكاءة على رمال بلادنا النّوبيّة. وقد حظيت بـ (ونسات) جميلة مع عدد من مبدعينا، أظهرت لي الجانب الذي لا يراه كثيرون فيهم، فهم في الأغلب يتسمون ببساطة أهلنا وطيبتهم وعفويتهم، وينسابون في الحكي الجميل بروح إنسانية تؤكد عمق انتمائهم إلى تلك الأرض الطيبة (النوبة)، وحقهم فيما نالوا من تقدير المتلقين لإبداعاتهم شعراً، ونثراً، وغناءً.

أتتذكر؟  Jillinaa؟

السّيرة الذّاتيّة لمبدعين نوبيين كثيرين لم تُكتب بعد، لكنّها تُحكى بأفواه المعجبين فنستلذّ بها ((kuree nakira، يبدأها النّوبيّ بـ ((tar gem ، ويلقى المبدعون النّوبيون محبّة من نوع فريد فالمجتمع النّوبيّ يجبر المبدع على أن يظلّ معهم في noogin aate)، أو( julleen nuur) فوق تلّة من الـ،seew هناك يستوي التربال والkoros والدّكتور والغنيّ والفقير، يجلس وردي shara negoosa ويجلس مميختار fashsha ويتوهّط ميفاتح شرف الدّين karaakka.

 في ذات أنس في بيته في المعمورة حكى لنا وردي ومعي الصّديق الأثير الفركاويّ عصام عبده خليل، حكى حكايات حلوة عن فترته التي صار فيها مديراً على مدرسة فَرْكَي الأوليّة في الخمسينيّات، وقد طلب أهلي بفركَي تسجيل حوار معه لاحتفال مدرسة فركَي بيوبيله، وكان أن سجلناه في شريط كاست.

 قال وردي إنّه رفع علم الاستقلال فوق جبل memme بفركي مع تلاميذه بالتّزامن مع رفعه في سارية القصر، قلت له: «إذن لم تغنِّ اليوم نرفع راية استقلالنا إلّا معايشة حقيقيّة» أجاب وردي : نعم.

قال إنّه كان دائم الاصطحاب لتلاميذه في رحلات جغرافيّة إلى جبل ميمي أو dal hill كما في الخرائط القديمة، وقال إنّه ذات مرّة اقترب من الموت سقوطاً من فوق ذلك الجبل العالي جدَّاً حين فقد أحد التلاميذ توازنه، وكاد أن يسقط إلّا أنّ المعلّم وردي قد أدركه وأنقذه، لكنّ وردي إثر عمليّة الإنقاذ تلك فقد توازنه، وكاد يسقط، لكنّه بصعوبة بالغة استردّ توازنه لينقذ نفسه من هلاك محقّق.

يضحك وردي ويقول لنا: لم أكُ هكذا، بل كنت بجسم رياضيّ رشيق، وممّا قاله لنا إنّ حادثة الموت التي نجا منها لم تكن الوحيدة في فركي، فقد كان يجلس في الرّمل يؤنسُ جزّار المدرسة مختار عبدون وهو من دال ووالد الشاعر الجهير محمّد مختار عبدون، قال وردي كنت ارتدي عرّاقي(اً) مع سروال قصير فلمّا انتهى الجزّار من تجهيز اللّحم كلّه ؛وقفت وإذا بي أُفاجأ بفأسه، وقد أطلقها تحتي kaddaفي المكان الذي كنت أجلس فيه تماماً ؛فقفزت خائفاً مستغرباً من فعله، كان ثمّةَ ثعبان ضخم من نوع الab daffan قد رفع رأسه نحوي حين قمت من الرّمل، كنت أجلس فوقه تماماً وهو مدفون في الرّمل غير شاعر به، فأبعده عنّي مختار عبدون بفأسه، لولا عناية الله ما صرت وردي الذي تجالسونه الآن، ويضحك رحمة الله عليه. درّس وردي الشاعرَ محمّد مختار عبدون في فركي، وميمختار نسيج إنسانيّ عجيب نحكي عنه.

أسمعت؟ ukkironaa؟:

لمودة بيني وبين ابن عمنا الأستاذ محمّد سيدون صاحب مطبعة نيو ستار بالخرطوم، وهو من المتعلمين الأوائل من قريتنا دال بجامعة الخرطوم قال لي يوماً مداعباً: إنت صاحبك دا مجنون ولّا شنو؟ يقصد صديقه محمّد مختار عبدون فضحكتُ، وقلت: مالو؟ فحكى لي حكاية عجيبة جدَّاً بطلها شاعرنا ميمختار، قال الحاج محمّد سيدون: “ يوم جوني مسؤولين كُبار من مجلس الوزراء، عندهم مطبوعات جوا يستلموها وصادف وجود محمّد مختار معاي في المطبعة، ونحن واقفين برّة في الشّارع – ومطبعته في تقاطع شوارع جنب إشبيلية للمعسّل مكان زحمة بشر بالقرب من عمارة الضرائب القديمة – قال لَي: ناديت محمّد مختار وقلت:” دا شاعرنا النّوبيّ محمّد مختار عبدون، وبقيت أعرّفو بالمسؤولين ديل دا مدير المراسم، دا كذا، دا كذا وهو بيسلّم فجأة جا مجنون من هِناك لابس هدوم وسخانة جدَّاً، ووقف وقال المجنون لمحمّد مختار: سريع طلع لي جلّابيتك دي قال ليهو: حاضر. قال ليهو: سريييع قال ليهو: بس أطلّع حاجاتي من الجيب (طلّع الجواز وعلبة السيجارة والولّاعة وحاجات كدا) فوق كبوت عربيتي، وطلّع الجلّابية وفضّل بي فانلة داخليّة بي حمّالات وسروال قصيرللرّكبة في نصّ السّوق العربي في الشّارع!!!!

 والمجنون داك لبسها واتخارج!

يقول سيدون: اتحرجتَ! تعريفي ما كمّلتو طوالي سُقتو لي جوّة المطبعة وما اتكلّمت خشّشتو مكتبي، وجبت بنطلون وقميص من عُمّال المطبعة البلبسوا أبرول وبيشتغلوا وركّبتو في عربيتي مودّيهو بيتي، وما اتكلّمت إلّا وصلت الشجرة، جنّبت العرَبيّة وقلت ليهو دا شنو الإنت سويتو دا؟!

 ياخ أنا بعرفك بي مسؤولين كُبار!

ردّ محمّد مختار: يا محمّد سيدون السّوق العربي دا فيهو كم نفر؟ قلت: كُتاار.

قال لي المجنون دا شاف سعادتو في جلابيتي دي بس. يعني شنو لو أدّيتها ليهو جلاليبي كُتَار في البيت.

قال اتعجّبت من شخصيتو العجيبة دي، ودّيتو بيتي في الكلاكلة، وطلّعت ليهو جلّابية وشلت هدوم العامل، ورجعت المطبعة.

 لاحقاً سنجلس مع حكايات لمحمّد الفاتح شرف الدّين karaka .

 يلّا nogjallo.