وادي حلفا:أحمد دندش
المدخل الرئيسي للمدينة يحفل بالكثير من الملامح التاريخية التي تجعلك تُخرج الكاميرا من بين طيات أدوات سفرك، ثم ترسل فلاشاتها لتوثق لتلك الملامح، لكن ما يدهشك أن ذات الكاميرا تفشل في أن تلتقط لك الإحساس الحقيقي بالمكان، خصوصاً تلك الرائحة التي تنتاش أنفك حالما تخطو أولى خطواتك لداخل المدينة، والتى تجذب إليك آلاف الروائح تبقى أبرزها رائحة البحر والتي تأتيك على استحياء بسبب المسافة ما بينها ومدخل المدينة الرئيسي.
الموقع الجغرافي:
مدينة وادي حلفا تقع في أقصى الشمال بالولاية الشمالية على بعد 909 كيلو متر من العاصمة الخرطوم شمالاً، و345 كيلو متر جنوب مدينة أسوان بمصر. وتعتبر بوابة السودان الشمالية وأولى مدنه المرتبطة بمصر وما بعدها شمالاً منذ قرون طويلة، وقد قامت حلفا في منطقة حضارات قديمة في مقدمتها الحضارة النوبية، فالرومانية والمسيحية والإسلامية وتأثرت ببناء السد العالي في منتصف القرن الماضي في مصر حيث غمرتها مياه بحيرته وهُجّر سكانها إلى شرق السودان، قبل أن يُعاد إحياؤها مجدداً وتطويرها على ضفاف بحيرة السد المعروفة باسم بحيرة النوبة (بحيرة ناصر في مصر).. ويسكن المدينة حوالي 300 ألف نسمة.
البحر (الآد):
اسم المدينة على حسب بعض الروايات مشتق من موقعها الذي يطل على وادٍ يكثر فيه نبات الحلفا، إلا أن هناك من يرى بأن كلمة وادي هي تحريف للفظ «آد» النوبية وتعني البحر أي النهر وكانت حلفا تسمى آد حلفا، ثُمّ حُرّف الاسم فأصبح «وادي حلفا»، وتُعرف المدينة أيضاً باسم حلفا القديمة، لتمييزها عن حلفا الجديدة الواقعة في منطقة خشم القربة بشرق السودان، كما يطلق عليها اختصاراً حلفا.
مساحات خالية:
ما يلفت الانتباه في مدينة وادي حلفا منذ الوهلة الأولى هي المساحات الخالية الكبيرة التي تتخلل المدينة، وهي وبحسب حكايات السكان هناك، تنتظر العودة الطوعية لسكان مدينة حلفا الجديدة والذين نزحوا إليها في وقت سابق، وعن هذا يقول العم (محمود) أحد السكان القدامى: (حلفا القديمة هي الأساس، لذلك فكل المساحات الخالية التي ترونها أمامكم في انتظار أبنائها للعودة الطوعية للمدينة، وفي انتظار التعمير كذلك)، ويضيف العم (محمود): (تعلمون أن حلفا تحتاج للكثير من الجهد حتى تعود لسيرتها الأولى، وتحتاج لكل أبنائها المخلصين.
مستشفى وطبيب واحد.!
بالرغم من أن حلفا من المدن القلائل التي لا يشكو سكانها من الأمراض- وذلك بحسب زيارتنا لمستشفاها الرئيسي- الا أن ذلك لا يمنع على الإطلاق من الانتباه لجزئية مهمة جداً وهي جزئية حاجة ذلك المرفق المهم للكثير من الأدوات حتى يستطيع القيام بمهامه، وأول تلك الأشياء ضرورة توفير عدد من الأطباء له، فهو وعلى حسب إفادات أحد الممرضين يخلو من الأطباء باستثناء طبيب واحد مدوام وهو اختصاصي (نساء وتوليد)، بينما يتردد بعض الأطباء غير المداومين عليه من فترة لأخرى.!
مدينة الأسماك:
قبيل مغادرتنا للخرطوم متوجهين لحلفا همس لنا عدد من زملائنا بضرورة تناول الأسماك هناك، وأكدوا لنا أن طعمها يختلف، لكننا وللأمانة لم نذكر حديثهم إلا بعد أن تناولنا هناك وجبة من الأسماك الطازجة، والتي أكدت لنا صحة ما كانوا يتحدثون عنه، ولمعلومية القارئ الكريم فإن المدينة تحتوي على مصنع للسمك بالقرب من مباني السكة حديد القديمة، حيث يتم هناك تصدير الأسماك للولايات بعد حفظها داخل ثلاجات تفوق درجة تبريدها الـ 200 درجة تحت الصفر.
بين التاريخ والمستقبل:
وادي حلفا اليوم هي مدينة تبني نفسها بنفسها، بعد أن قاومت وصمدت للبقاء، وهي ملاحظة تشاهدها في عيون أهليها وهم يخرجون منذ الصباح الباكر لتأدية أشغالهم وأعمالهم بكل نشاط، وتلحظ فيها كذلك الرغبة في التطور والمضي للأمام، لكن تبقى العقبة الرئيسية هي الإمكانيات التي تحتاجها في سبيل ذلك، والتي يطالب بها أهلها هناك حتى تعود لحلفا القديمة سيرتها الأولى، وللمحافظة كذلك على الكثير من المعالم التاريخية التي لا تزال صامدة هناك.