هل يمكن أن يعود النّوبيّون يوماً إلى المناطق التي تم تهجيرهم منها قسراً؟ أو ربما عبر نافذة أحداث التّاريخ!
هل إذا عادوا سيجدون إرث الأجداد كما هو، ومن سيجتهد لإعادة هذه الثروات التي لا تقدر بثمن؟
أسئلة كثيرة تترى على الذَّاكرة حول إمكانيّة عودة عقارب الزّمن، أو «وجيع» يستعيد ألق الماضي إلى أحضان الوطن، إلى النّوبة التي شهدت حضارات سادت في مناطق شمال السّودان وجنوب مصر، عبر حقب تعرّضت خلالها المنطقة للنّهب الممنهج، بإهمال السّاسة لموروثات أعرق الشّعوب في هذه المنطقة من العالم، التي امتدَّت آثارها شمالاً حتى جنوب أوروبا وجنوباً حتى أعماق أفريقيا.
السّرقات قادت إلى ظهور كثير من القطع الأثرية بمتاحف في مختلف أنحاء العالم، تعرضها حالياً كأنّها ملك لها في وقت لم تظهر سوى مطالب فردية خجولة لإعادة تلك الآثار إلى حضن الوطن.
جهود اليونسكو
عقب تدشين السّد العالي، طالبت مصر المساعدة الدوليّة لإنقاذ مواقعها الأثريّة في جنوبها، وقد استجابت منظمة اليونسكو، بل تبنّت حملة دولية لإنقاذ آثار النّوبة؛ ليأتي المختصُّون من مختلف أنحاء العالم من مهندسين ومعماريين وجغرافيين لإنقاذ المنطقة، وخلال عقدين من الزمان أُنقذ كثير من الآثار، أبرزها معبدا أبو سمبل وفيلة، فيما ظلّت الآثار السّودانيّة في منافيها دون مطالب جادة، وربما يعود ذلك إلى جهل أصحاب القرار بأهمية هذا الإرث، أو غياب التجهيزات الفنيّة المناسبة لحفظها في السّودان.
ووفقاً لخبير الآثار باليونسكو الدكتور أسامة عبد الوارث، المدير الأسبق لمتحف النّوبة بأسوان، فإنَّ منظمة اليونيسكو أدَّت دوراً مهمَّاً في إنقاذ آثار النّوبة، وتبنَّت النداء العالمي لإنقاذ آثار النّوبة في عام 1959م، ودعت دول العالم للمشاركة في هذه الحملة، وخصصت الحكومة المصريّة صندوقاً لإنقاذ آثار النّوبة ليضع السّياسات، وينظم وييسّر عمل البعثات الأثرية الأجنبية والمحليّة، وكان ذلك الصندوق الوعاء الماليّ لحصتي الحكومة المصريّة واليونيسكو، استهدف الصّرف على عمليتي إنقاذ الآثار والحفائر الأثريّة والبعثات الأثريّة التي استطاعت أن تكتشف كثيراً من المقتنيات الأثرية، التي تُعرض حالياً بمتحف النّوبة بأسوان.
وكان أبرز نتائج هذه الدعوة نقل معبد رمسيس الثاني في «أبو سمبل» إلى موقع آمن، بعيداً عن فيضان المياه، لتصبح هذه العملية واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية والثقافية في القرن العشرين.
نُقل المعبد إلى أعلى الجبل، بعيداً عن فيضان المياه، في عملية هندسية ومعمارية معقدة وغير مسبوقة. قُطعت أجزاء المعبد ونُقلت باستخدام رافعات عملاقة وجرارات ضخمة إلى موقع جديد، بارتفاع 40 متراً. وثق المخرج الكندي «جون فيني» هذه العملية بفيلم تسجيلي، ورُشح الفنان المصري حسين بيكار لإعداد السيناريو، فرسم 80 لوحة تاريخية تجسد عظمة معبد أبو سمبل، مما ساهم في نقل صورة نابضة بالحياة لتلك الفترة للعالم أجمع.
عرض فيلم «العجيبة الثامنة» في عدة دول منها مصر وألمانيا وإيطاليا، وحقق صدى عالميَّاً واسعاً. وساهم نجاح عملية إنقاذ معبد أبو سمبل في تشكيل بعثة النوبة، تحت إشراف اليونسكو، التي وضعت الأسس لقائمة التراث العالمي الحالية. تجاوزت هذه القائمة الآن الألف موقع ثقافي وطبيعي حول العالم، وتسعى للحفاظ على هذه المواقع والتعريف بأهميتها.
كانت جهود اليونسكو الناجحة دافعًا لإنقاذ كثير من الآثار العالمية المهددة، وسبباً لتبنِّي فكرة قائمة التراث العالمي التي اعتمدتها اليونسكو لاحقًا بفضل هذا الإنجاز.
وجاء في عام 1965م اقتراح إنشاء هيئة خاصة بالتراث العالمي خلال مؤتمر في البيت الأبيض بواشنطن، مما أدى إلى تبني المؤتمر العام لليونسكو في نوفمبر 1972م لاتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي.
الآثار المنهوبة
في أحد تحقيقاتها المقروءة، حاولت صحيفة الرأي العام السّودانيّة فتح ملف آثار السّودان المنهوبة، ورأت أنَّ كل الدول تدفع بسخاء للحفاظ على آثارها، بل حتى للاحتفاظ بآثار غيرها، وتستحدث طرق التأمين وتوعية الذين يتعاملون معها وبها عن أهمية الآثار، ودورها في تنمية الاقتصاد، مبينة أن السّودان من البلدان التي حباها الله بحضارات لها جذورها ضاربة في أعماق التّاريخ، وعلى أراضيها مئات المواقع الأثرية، ويمكنها أن تكون البقرة الحلوب التي تدرّ الملايين على خزينة الدّولة، غير أنَّها ظلّت تتعرض – للأسف – لسّطو ممنهج، ليس للكسب الماديّ فحسب، بل لإفراغ السّودان ومحو تاريخه – وفقاً للصحيفة.
وليس هناك مبرر مقبول لعدم المطالبة باسترداد القطع الأثرية السّودانيّة التي نُهبت على فترات، وتعج بها متاحف العالم، وتتنقل بين معارضه، فكثيرٌ من بلدان المنطقة وعلى وجه الخصوص مصر وإثيوبيا تعرَّضت لعمليات نهب وسطو لآثارها مثلما حدث للسودان، لكنها تمكَّنت من استرداد معظمها أو اتفقت مع المتاحف العارضة على إرجاع ما تبقى منها، أو وضعت أسساً لعرضها.
كيف للسّودان أن يبدأ حملة مسنودة بمهتمين وبتشريعات دوليّة لاسترداد عشرات الآلاف من القطع الأثريّة التي إمّا سُرقت وبيعت للمتاحف الأوروبيّة أو تمّ ترحيلها إبّان الفترة الاستعماريّة.
تدمير الأهرامات
نهب التّاريخ، هي العبارة الأنسب لوصف ما حدث للآثار النوبية، فمثلما تعرَّض كثير من بلدان العالم الثالث لسرقة تاريخها، فإن السّودان عاني هذا الأمر في فترات تاريخية، أهمها فترة الاستعمار التركي (1821 – 1885م) والإنجليزي المصري (1898 – 1956م)، وقد جرى ذلك من خلال بعثات رسميّة تمثل الاستعمار أو من المتاحف الأوروبيّة التي كانت تسعى إلى امتلاك (ذاكرة الدنيا)، بجانب أفراد وعصابات تمارس عمليات تهريب الآثار بقصد بيعها للمتاحف العالميّة وللأفراد المهتمين بجمع التّحف في العالم.
يمثل الطبيب الإيطالي فرليني ورفيقه الإيطالي ستيفاني أشهر قراصنة الآثار السّودانيّة.
كان جوزيبي فريليني (1800- 1870م) طبيباً إيطاليَّاً من بولونيا، ولكنه انتحل صفة مستكشفٍ وعالم آثار، وتسبب في تحطيم ما يزيد على 40 هرماً في السودان ومصر في حدود عام 1820 م.
عمل جراحاً مرافقٍاً للجيش التركي عند غزوه السودان، وفي حين استقرت القوات في الخرطوم وسنار شدَّ هو الرّحال إلى مروي والنقعة ونوري بحثاً عن الكنوز، ففجر كثيراً من الأهرامات، حتى وجد مخبأً واحداً فقط من الذهب والمجوهرات الكوشية، التي اتضح لاحقاً أنها تخصُّ الملكة أماني شكتو، وسارع إلى عرضها علي المتاحف الأوربية في ميونخ وبرلين، ولكنها رفضت؛ لأنَّها رأت هذه المجوهرات آثار لدقَّة صنعها وجمالها الفائق، ولعدم تصديقها أنَّ هذه الجودة يمكن أن تكون صنعت في أفريقيا، ولكنَّها عادت، واشترتها.
وثق الروائي الأمريكي بول ثيروكس جرائم فريليني وقال إنه نسف الأهرامات بالديناميت من القمم، ممَّا شوَّهها وأفقدها لوحاتها الجمالية وطمس أسرارها. من أبرز الآثار التي تركها فريليني هو تجريف الهرم رقم 6 «هرم الملكة النوبية أماني شكتو».
مصلّى مروي في بلَروسيا
من بين أشهر المقتنيات الأثريّة التي رُحِّلت من السّودان بشكل واضح جدار لأحد أكبر الأهرامات المروية، رُحِّل هذا الجدار مع مجموعة من القطع الأثرية النادرة إبّان الحكم التركي للسودان، وهذه القطع موجودة حالياً في المتحف المصري بجامعة كارل ماركس بلايبزج في بلروسيا، وحسب معلومات أوردتها مجلة أركماني وموسوعة ويكيبيديا، فإنَّ المتحف المعني يضم مجموعة الآثار التي أخذها المنقِّب البلاروسيّ ريتشارد لبسيوس من منطقة النّوبة عقب انتهاء عمل البعثة الملكيّة البلروسيّة ما بين عامي (1842 – 1846م)، وانها تشتمل على جدار كامل من مصلّى أحد الأهرام المرويّة، بالإضافة إلى آثار نوبيّة من ثقافة المجموعة الثّالثة، رحّلتها بعثة جامعة فيينا التي أشرف عليها هيرمان يونكر.
شظايا معماريّة في همبولدت
يضم معهد آثار السّودان في جامعة همبولدت مجموعة متميّزة من الشظايا المعمارية، والمصنوعات الفخّاريّة، ومواد آثارية دراسية من أعمال التنقيب الآثاري التي نفّذتها الجامعة في موقع المصورات الصّفراء منذ ستينيات القرن العشرين.
أهرامات في أمريكا
يمثل متحف ومركز الفنّانين الآفرو- أمريكيين في بوسطن مركزاً دائماً لعرض القطع المستعارة من الأهرامات الملكيّة في نوري، وكذلك لإعادة تركيب لوحات ملوَّنة ومنحوتة من غرفة الدّفن في مدفن الملك أسبالتا (حوالي 600- 580 ق. م)، بما في ذلك أنموذج مصنوع من الزجاج المغزول الليفيّ الشكل لتابوته الذي يزن 12 طناً، وهو التابوت الذي ما زال يُحتفظ به في متحف بوسطن للفنون الجميلة، (حسبما أوردت موسوعة ويكيبيديا الحرّة)، ويمتلك متحف بوسطن للفنون الجميلة أكبر مجموعة من الموضوعات الفنية والتحف من النّوبة والسّودان في الولايات المتحدة الأمريكيّة.
تابوت الملك أسبالتا
كانت بعثة متحف بوسطن التي أشرف عليها عالم الآثار جورج رايزنر نقَّبت في كثير من المواقع في النّوبة المصريّة (1906-1907م)، وفي الحصون والقلاع المصريّة في الجندول النّيليّ الثاني (1928-1932م)، وفي أكبر مدن السّودان القديم – كرمة (1913-1915م)، ونبتة (1916-1920م) ومروي- البجراويّة – (1920- 1924م).
نتيجة لأعمال التنقيب تلك، نالت بعثة المتحف نصف ما اكتُشف من آثار منقولة، وبلغت تلك النسبة آلاف القطع التي اشتملت على أعمال نحت صروحية وتماثيل ضخمة لملوك السّودان القديم، شملت تلك النسبة فيما شملت تابوت الملك الكوشي أسبالتا (600- 580ق. م) الذي يزن 12طناً والنقش الأطول المعروف حتى الآن باللغة المرويّة، كما اشتملت النسبة على كنوز ملوك النوبة وملكاته الذين حكموا مصر والتي جرى الكشف عنها في مدافنهم بـ»الكرو». وتحتوي المجموعة على المُحتويات الجنائزيّة – مجوهرات ذهبية، وتمائم من الفايانس، والمصنوعات الفخّاريّة، والأواني الحجريّة، والمصنوعات الزجاجيّة، وأهم المصنوعات الإغريقية والرّومانيّة المستوردة – المكتشفة في نوري ومروي (البجراويّة).
أساور في بوسطن
يضم متحف بوسطن مواد من مواقع نوبيّة كثيرة بما في ذلك مصنوعات فخّاريّة وأساور من المحار من كشتاماني، ومشغولات صغيرة جمعت من الفترة النبتية من جبانة سنام (الضفة المقابلة لجبل البركل) في موسمي 1912-1913، ومن موقع المدينة المصريّة في سيسبي في موسم 1936-1937، كما يضمّ المتحف وقاعة عرضه مجموعة مصنوعات فخّاريّة، وأعمالاً من الحجر، وموضوعات صغيرة، وأعمال نسيج من قصر إبريم في الأطراف الشّمالية للسّودان القديم (النّوبة المصريّة حالياً).
مصوغات نادرة في بروكلين
يضم متحف بروكلين للفنون واحدة من أكثر المجموعات للفن السّوداني، وبعض هذه المعروضات مجلوبة من النّوبة المصريّة، وبعضها يرجع إلى لفترة السيّطرة السّودانيّة على مصر (الأسرة 25)، وفي متحف فيتزوليام، يضم متحف المدينة مجموعة رائعة من التّحف والمقتنيات النوبيّة ومجموعات من عصر السيادة السّودانيّة على مصر (الأسرة 25)، أما متحف بيبودي بجامعة هارفارد للآثار والاثنوغرافيا فيحتوي على مجموعة أدوات وهي صنيعة نوبيّة عثر عليها جورج رايزنر، إلى جانب مصنوعات من مواقع مماثلة من ليبيا والسّودان، وفي متحف كارولوس بجامعة أموري تتفاوت المجموعة بين أدوات ومصوغات من الأزمان لما قبل الأسرية.
قطع في الميتروبوليتان
يضمَّ متحف الميتروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك الأمريكية على مقتنيات نوبيّة قليلة، منها بعض القطع التي ترجع إلى عصر السّيادة السّودانيّة على مصر (الأسرة 25)، وتصور كثيراً من حياة النّوبيّين.
صور في شيكاغو
يمتلك متحف معهد الدّراسات الشّرقية في جامعة شيكاغو مجموعة من الآثار النوبية المكتشفة في السودان، إذ يَحتفظ بالأرشيف الفوتوغرافيّ الأقدم للصّروح السّودانيّة، التي التقطها برستد في عامي 1906-1907م، إضافة إلى مجموعة آثارية دراسيّة هائلة لبعثة جامعة شيكاغو إلى السّودان في ستينيات القرن العشرين.
كبش نوبي في برلين
يوجد في متحف برلين «شارلوتينبورج» كثير من القطع التي أخذتها من السّودان البعثة الملكية البلوروسية التي ترأسها ريتشارد لبسيوس. من بين أكثر المقتنيات شهرة تمثال كبش من جبل البركل، وتمثال ملك نبتة أرماتيلكو (نحو 580 – 560ق. م)، وتمثال الملك نستاسن (نحو 300ق. م). كما تضم مجموعة هذا المتحف نصف الكنوز الذهبية الشهيرة الخاصة بملكة مروي الكنداكة أماني شاخيتي التي نهبها الطبيب الإيطالي فرليني بعد أن دمَّر هرمها مع أهرامات أخرى في البجراويّة في 1833 بالديناميت بحثاً عن الكنوز.
مجاميع نادرة في باريس
يضمُّ متحف اللّوفر في باريس أروع المجاميع النوبيّة، كما يوجد به كثير من المقتنيات المصريّة التي صُنعت إبّان السيادة السّودانيّة على مصر (الأسرة 25).
آثار تبو في جنيف
توجد في متحف الفنون والتّاريخ بجنيف مجموعة مهمَّة من المكتشفات التي حققتها بعثة جامعة جنيفا منذ الستينيات، في المعبد الكوشي في تَبُو وفي موقع كرمة، بالقرب من الشلال الثالث. تغطي كل مراحل تاريخ السّودان القديم من مرحلة ما قبل التّاريخ حتى العصر المسيحيّ.
مقتنيات بروكسل
يقتني متحف بروكسل مجموعة من إبداعات الفن السّوداني القديم، مع بعض الموضوعات النوبيّة وموضوعات من عصر السّيادة السّودانيّة على مصر (الأسرة 25).
صفائح برونزية في وارسو
تحتوي مجموعة المتحف الوطنيّ في وارسو على جُزءٍ من اللوحات الجداريّة التي رُممت بعد فصلها عن جدران كاتدرائية فرس القروسطية خلال أعمال إنقاذ آثار النّوبة في السّتينيات (الجزء الآخر منها موجود بالمتحف القوميّ للآثار في الخرطوم).
متحف أثينا وأثران مهمّان
يمتلك متحف الآثار الوطنيّ في أثينا أثرين مهمّين من فترة السّيادة السّودانيّة على مصر (الأسرة 25): تمثال من البرونز في وضع ركوع للملك النوبي أسبالتا، وتمثال رائع من الصّفائح البرونزية لسّيدة نوبية اسمها تاكوشيت، أي (الفتاة الكوشيّة)، مطعَّم بالفضة.
تماثيل في أدنبرة
يضمُّ متحف أدنبرة في اسكتلندا مجموعة تماثيل ومقتينات أساسيّة من أعمال التنقيب التي نفّذها جون جارستانج لجامعة ليفربول في مروي – البجراويّة – (1910-1912م)، ومقتنيات أخرى من أعمال التنقيب التي نفّذتها جامعة اكسفورد في السّودان (1935-1938م).
مناظر في كندا وبولندا
يحتوي متحف بوزنان للآثار في بولندا على مجموعة دراسيّة مهمَّة خاصة ببقايا فترة ما قبل التّاريخ في مواقع سودانية، نقَّبت فيها بعثة المتحف، وفي كندا يمتلك متحف أونتاريو الملكي بتورنتو، مجموعة مقتنيات أثرية سودانيّة، بما في ذلك إعادة تركيب لبعض المناظر البارزة المصبوبة في قوالب بلاستيكية التي تصوِّر بعثة الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت (السّاحل السّوداني – الإريتري)، وقد تمّت عملية الصبّ في قوالب في القرن التّاسع عشر، وهي تعيد تركيب وثيقة مهمّة في تاريخ الاستكشاف الأفريقي في القرن الخامس عشر ق. م.
مجوهرات في ميونخ
يضم متحف الدولة للثقافة في ميونخ نصف المجوهرات الذهبية المنهوبة من مدفن الملكة المرَّوية أماني شاخيتي، التي نهبها المغامر الإيطالي جيوسبي فرليني في عام 1833م، بعد أن تعرَّض موقع أهرامات البجراويّة للتدمير باستخدام الديناميت بحثاً عن الكنوز الملكيّة، وقد اشتراها ملك بافاريا، وأهداها لمتحف ميونخ.
كباش في بريطانيا
يضمُّ المتحف البريطانيّ في لندن مجموعة قيِّمة من حضارة النّوبة والسّودان. خصّصت القاعة 65 كلها للثّقافات السّودانيّة القديمة، وهي تحتوي على مواد ذات صلة بالثّقافات الرئيسة لشّمال السّودان، مع كمية محدودة من المواد الرومانية والأكسوميّة، ويعرض المتحف مجموعة رائعة خاصّة من قصر إبريم بما في ذلك مواد عضويّة مثل الأخشاب، والجلود، وأوراق البردي، تم الكشف عنها عن طريق جريفيث في كوة (جم آتون)، من بين هذه الأخيرة الكباش التي عثر عليها خارج المعبد، وأبو هول يمثل رأسه الملك تهراقا الذي عثر عليه داخل المعبد. إلى جانب ذلك يضمُّ المعرض عدداً من القطع من عصر نبتة.
ومن الآثار الشهيرة في متحف لندن، تمثالان لأسدين نُصبا أصلاً في معبد أمنحتب الثّالث في صلب وحولهما ملوك نبتة إلى جبل البركل، كما يحتوي المتحف على مواد من أعمال التنقيب التي نفذها السير ولكام في جبل مويَّة، وسقدي، وابي جيلي، ومواد من مروي وفرس، أخيراً اقتنى المتحف عدداً من أعمال المسح والتنقيب التي تقوم بها جمعية البحث الآثاري السّودانيّة في شمال إقليم دنقلا وإلى الشمال من مروي في قبتي. معظم المواد من إقليم دنقلا ترجع لحضارة كرمة، في حين ترجع معظم المواد من قبتي للعصر النبتي – المروي حتى الأزمان المسيحية.
لوحات باكفورد
في متحف الأشمولين للفنون والآثار بأكسفورد، يوجد كثير من الآثار النوبية من عصر نبتة من أعمال التنقيب التي نفذها جريفيث في فرس وسنام في 1912م، بما في ذلك تماثيل، ولوحات بارزة، وبعض اللقيا الصغيرة من معبد سنام وجبانته. كما يحتوي المتحف على كثير من المواد التي عثر عليها ايمري وكيروان في معابد كوة (جم آتون) في ثلاثينيّات القرن العشرين.
تماثيل في هارفارد
يحتوي متحف جامعة هارفارد على مجموعة أدوات نوبيّة من أعمال التنقيب التي نفذها السير هنري ولكام في جبل مويَّة، وأعمال أوريك بيتس في جُميّ، وجورج رايزنر في مواقع مختلفة في السّودان، أما متحف الآثار والأنثروبولوجيا لجامعة بنسيلفانيا فيضمُّ مجموعة كبيرة من الآثار النوبيّة، إلى جانب كثير من الموضوعات المصريّة من النّوبة، “الموضوعات النوبيّة” أتت في الأساس من بعثات جامعة بنسلفانيا في الأطراف الشماليّة للسّودان القديم (النّوبة السّفلى) وشمال السّودان، ويمتلك متحف ورسستر للفنون قطعة نوبيّة واحدة فقط، لكنها واحدة من الأكثر شُهرةً.. إنّها لوحة صغيرة منحوتة بشكل رائع تحمل صورة أمير مرويّ يقضي على مجموعة أعداء، يقبض عليهم من شعورهم. تحت قدميه صورة كلب صيد ينقض على عدو آخر، في حين تحميه من أعلى آلهة بجناحيها.
جامعة ليفربول
يضم متحف الآثار بجامعة ليفربول سجلات أعمال التنقيب، والصّور الفوتوغرافية، والمواد الآثارية من أعمال التنقيب التي أجراها جون جارستانج وجامعة ليفربول في مروي – البجراويّة – (1910-1912م).
سّرقات في الداخل
لم يقف الأمر عند حد النهب من غير السودانيين، وإنما شارك سودانيون من ضعاف النفوس في جريمة سرقة الآثار من المتاحف، وكان باحث الآثار السودانية الهادي حسن أحمد قد أوضح في تحقيق لصحيفة الرأي العام السودانية أنَّ متحف السّودان سبق أن تعرض لجريمة سرقة كبيرة؛ إذ سرق الجناة (50) قطعة أثرية، إضافة إلى «ذهب مروي» الذي جرى الاستيلاء عليه من داخل المتحف، وقد اتهم الباحث مسؤولين بالتورط في الجريمة، التي نفذها أحد الحرس، الذي أُفرج عنه بضمانة ماليّة بعد القبض عليه، بل أنّه – حسب الباحث- هرب قبل محاكمته إلى جهة غير معلومة.
وكانت سلطات البوليس البريطاني في عام 2004م قد تمكَّنت من ضبط آثار سودانية مسروقة من متحف السودان القومي، وكانت تُعرض – حسب صحيفة الشرق الأوسط – في حوانيت الآثار بالعاصمة البريطانية، وقامت بتسليم أثرين على قيمة تاريخية عالية للسفارة السودانية (الأثران أجزاء من مجسمين ضخمين لرموز في حضارة كوش السودانية يتعدى وزنهما الخمسين كيلوغراماً، وتصل قيمتهما إلى أكثر من ربع مليون جنيه استرليني بأكثر التقديرات تواضعاً). وفي المقابل، هناك مجموعة أخرى من الآثار السودانية التي وصلت لمقار العرض التجارية بلندن، وما يزال التفاوض جارياً إلى هذه اللحظات حول عمليات استردادها. وبين هذه الآثار، خاتم من الذهب الخالص يعود إلى أحد ملوك حضارة كوش السودانية قبل 7 آلاف سنة. ويشار هنا إلى أن ذلك الخاتم ما يزال محل نزاع حول ملكيته، ويطالب الشخص الذي أحضره إلى بريطانيا بتعويضه، بعد أن جرى احتجاز الخاتم، بمبلغ مليون جنيه استرليني على خلفية أيلولة الخاتم لأسرته، وانه قد حصل عليه بالتوارث الأسري فيما لم يستطع متحف السودان القومي، في ذلك الحين، كما عبرت سفارة السودان بلندن، إثبات ملكيته لهذا الخاتم، وأن هناك أكثر من أثر لا تزال المفاوضات دائرة بشأنها على خلفية قدرة المؤسسات السودانية المعنية على إثبات ملكياتها، في مقابل وجود عدد من الآثار في السودان في حيازة أسر وأفراد.
ولا تناسب العقوبات التي تطال الجناة جرائم سرقة الآثار التي يرتكبونها، فمثلاً صدر الحكم على سارق تمثال جنائزي في العام 2002م بالسجن شهرين.. وفي العام 2003 صدر الحكم على سارق تمثال تهراقا بـ 6 أشهر مع وقف التنفيذ، وفي العام 2004م عوقب المتهم الأول في جريمة سرقة تمثال أسداماك بالغرامة (250) جنيهاً بالجديد (آنذاك)، والسّجن 6 أشهر، مع وقف التنفيذ، وفي العام نفسه، صدر الحكم على سارق تمثال «سنكما نسكن» بالغرامة (300) جنيه. كما تعرض المتحف لحادث سرقة وصدر الحكم على الجناة الثلاثة بالسّجن سنتين لكل منهما.
وتشرح إنعام عبدالرحمن مجذوب (ضابط آثار) بهيئة الآثار والمتاحف الوضع القانوني، فتقول: «في عام 1952 وضع أول قانون للآثار ينصُّ على تعريفها، واعتبار الهيئة الجهة المنوط بها حماية الآثار- وتنقيبها، وجرى تعديل هذا القانون في عام 1999م.. ولكن قانون 1999م غير مُفعّل، وهذه من الإشكاليات التي تؤثر في الآثار في السودان»، وأضافت: «ما يروجه بعض الناس عن وجود أجانب متهمين بسرقة الآثار ليس صحيحاً؛ لأنَّ معظم المتهمين في حوادث الآثار مواطنون سودانيون. ويقوم بعض المواطنين بحفر المواقع تحت غطاء الحصول على الذهب والمعادن النفيسة، ولكن الأمن الاقتصادي أحبط كل المحاولات».
وأكدت أنَّ معظم مواقع الآثار في السودان تحتاج إلى حماية، ولكن الهيئة لوحدها لا تستطيع توفير معينات الحماية.
صاي تستغيث
في ظل الحرب التي يشهدها السودان، أثار بث فيديو يُظهر تدفق آليات تنقيب عن الذهب إلى جزيرة صاي الأثرية الرعب في قلوب السودانيين، وخصوصاً النوبيين.
وحذر خبراء ومهتمون بالآثار من تهديد كبير للأماكن الأثرية في البلاد، بسبب ما وصفوه بفوضى الذهب، في إشارة إلى عمليات التنقيب العشوائي والمنظمة عن الذهب، خاصة في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد.
وقد أكد الصحفي سيد مراد أنَّ جزيرة صاي (ثاني أكبر جزيرة في السودان) تتعرض آثارها للنهب الممنهج، بسبب كارثة التعدين العشوائي، الذي يمثل ذريعة للنبش عن الكنوز التاريخية، وسرقتها بلا رحمة.
وأوضح السفير صلاح محمد أحمد المهتمُّ بالآثار أنَّ التعدين العشوائي عن الذهب هو أخطر ما يواجه مناطق الاثار، والمشكلة أن معظم المناطق الواقعة في الولاية الشمالية بها آثار، وقد جرى تسوير مساحات شاسعة منها، ومع ذلك تتعرض للنبش، وسرقة الآثار، كما أن الشرطة المختصَّة تظلُّ عاجزة عن وقف التعديات.
وكانت الصور والفيديوهات على مواقع التواصل قد بيَّنت ما لحق المواقع الأثرية بالجزيرة ذات القيمة التاريخية الكبرى من أضرار بالغة، إذ تحتوي على معابد ومقابر وهياكل تعود إلى فترات مُختلفة، مثل العصر الفرعوني والنوبي والمسيحي والإسلامي.
وقد أصدرت الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية بياناً نددت فيه بالهجمة الشرسة التي تتعرض لها الجزيرة، فقالت: «هكذا يتسابق الانتهازيون وعديمو الضمير، مستغلين الظروف الحرجة لسرقة أقدم المواقع الأثرية في العالم تحت ذرائع التنقيب عن الذهب».
كما أعربت عن مخاوفها الكبيرة من فقدان السودان واحدة من أغنى المناطق الأثرية بسبب العبث الذي يطال مواقع تاريخية مهمَّة في جزيرة صاي؛ مناشدة المختصين وخبراء الآثار، والمنظمات المدافعة عنها، بإدانة هذه الجريمة الإنسانية الخطيرة والعمل على منعها ومنع تكرارها.
وأشار أحمد الأمين السوكري مفتش أول آثار بالهيئة العامة للآثار والمتاحف إلى أنَّ الجزيرة مرشحة للدخول في سجل التراث الإنساني العالمي، لما لديها من خصائص استثنائية نادرة؛ مؤكداً أن صاي استهدفها لصوص الآثار وصائدو الكنوز الأثرية، فتعرضت لتعدِّيات كثيرة، بخاصة في مواقع الجبانات التي ترجع لفترة المملكة المصرية الحديثة، إضافة إلى حضارات كرمة ومروي ونبتة.
التنمية في مواجهة الآثار
أصبحت التنمية سيفاً مسلطاً على النوبيين، وأصبح الخيار المطروح: التنمية أم الآثار؟ وقد توصف الآثار بالحجارة الصماء التي لا نفع لها، بينما التنمية تعني الحياة والازدهار الاقتصادي، وقد فضَّ هذا الاشتباك الباحث سامي عبدالحليم سعيد في بحثه المعنون «الإطار التشريعي لحماية الآثار النوبية»، إذ يقول: «من الثابت أنَّ المحافظة على التراث الثقافي والحضاري تأتي على قائمة أولويات الحقوق الثقافية للأفراد والجماعات، فالتراث الثقافي هو المعبر عن الجماعة و تاريخها، وفي ذلك تنصهر ذاتية الشعوب وهُويتها الفكرية والثقافية، و تنعكس من خلالها إبداعاتها. وفي الواقع العملي تعرضت الآثار النوبية للتدمير والإغراق خلال القرن السابق والقرن الحالي، في مرات عديدة بموجب مبررات التنمية والرفاه الاجتماعي للشعب النوبي، وأكدت شواهد التاريخ بأنها كانت «قولة حق أريد بها باطل». إنَّ المعالم والاثار الحضارية، الظاهر منها، والمتوقع ظهوره، تحظى بحماية دولية، في وقت السلم وفي وقت الحرب، تحت اشراف اليونسكو، وأصبحت في هذا الصدد العديد من المدن التاريخية محمية بموجب القانون الدولي من التدمير والتخريب، وذلك إقراراً بحقوق الشعوب كمجموعة (وليس الأفراد) في الحفاظ على تاريخها ومعالم حضارتها الانسانية».
ويلقي الباحث أضواء كثيفة وعلى كيفية استعادة آثارنا المنهوبة بإعمال القانون، ويوضح ذلك على هذا النحو: «إنَّ من أهم الجهود التي على السلطة التنفيذية أن تجتهد فيها في سبيل الحفاظ على الآثار النوبية هو السعي إلى استرداد الآثار النوبية المنهوبة، او تلك التي تمت حيازتها بصورة غير قانونية، و في ذلك للدولة أن تسلك كافة سبل القانون الدولي لا سيما تلك التي أشارت لها اتفاقية استرجاع الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة (1995م)، أو من خلال تفعيل أحكام اتفاقية حظر و منع استيراد و تصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة لعام 1970م. إضافة إلى ضرورة مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذلك منظمة اليونسكو بالتدخل في هذا الشأن. أو من خلال حث الجهات التنفيذية في الدولة للقيام بمبادرة لعقد اتفاقيات ثنائية أو إقليمية تهدف إلى إعادة الثروات الثقافية التي نهبت من السودان.
وكانت اليونسكو قد عقدت مؤتمرها العشرين في عام 1980م وكوَّنت لجنة دولية لتسهيل المفاوضات الثنائية بين الدول لضمان استرداد المقتنيات الثقافية والمنقولات التاريخية التي تم تهريبها خارج أوطانها بطرق غير شرعية، ولكن لم تنجح هذه الاتفاقية الدولية في استرداد الاثار النوبية، بسبب عدم وجود وعي وطني كاف بالإجراءات القانونية الدولية أو لغياب الإرادة السياسية والتنفيذية الداعمة لمطلب استرداد الآثار النوبية، هذا فضلاً على القصور القانوني والسياسي الذي اكتنف مسيرة الاتفاقية. ومن وجهة نظرنا، نرى أن اتفاقية استرداد الممتلكات الثقافية المسروقة او المصدرة بصورة غير شرعية لسنة 1995 قد تسهم بشكل فاعل في دعم الطلبات الخاصة باسترداد الآثار النوبية التي تم تهريبها إلى خارج موطنها».
المراجع:
The Kingdom of Kush: The Napatan and Meroitic Empires, Derek A. Welsby, Markus Wiener, 1998.
موقع أركماني:
د. سامي عبدالحليم سعيد، الإطار التشريعي لحماية الآثار النوبية، الرابط:
تقارير صحفية: الرأي العام، الشرق الأوسط، صحيفة التحرير الإلكترونية، العربية نت.