تُعدُّ السِّياحة أحد أبرز الأنشطة الاقتصاديَّة التي توليها الدول اهتماماً كبيراً؛ لكونها مورداً اقتصاديَّاً كبيراً لها، ومصدراً أساسيَّاً للمداخيل من العملة الصَّعبة، إضافة إلى إسهاماتها الكبيرةّ في تحقيق التنمية في شتَّى المجالات.
يذخر السُّودان بمنجمٍ طبيعيٍّ هائل من الموارد الاقتصاديَّة عبر بوابة السِّياحة، إلَّا أنّ َغياب القوانين واللّوائح المنظِّمة للأنشطة في هذا القطاع، والتقلبات الاداريه والنمط الثقافي التي تتحكم في الحراك السّياحيِّ، وغياب الثَّقافة المجتمعيَّة، والدَّعم اللوجستيِّ تمثِّل، وغيرها عقبة أمام انطلاق هذا المورد الاقتصاديِّ الهائل للخزينة العامَّة للدُّولة، وللأفراد، والمجتمعات المحليَّة.
من بين أنواع السِّياحة التي لها أهميَّة كبيرة في التنمية لدينا السِّياحة الثَّقافيَّة، التي تعتمد على الإسهام والمشاركة، وحضور مختلف النَّشاطات الثَّقافيَّة، وزيارة الأماكن التَّاريخيَّة والأثريَّة؛ إذ تشكِّل هذه النّشاطات سبباً للتنقل من مكان إلى آخر، وهذا ما يتسبَّب في حركة مستمرِّة في تلك الأماكن الحاضنة لتلك المعالم، والمُنظمة لمختلف النَّشاطات الثَّقافيَّة على غرار المهرجانات والحفلات والمناسبات الموسميَّة، وما ينتج عن ذلك من تنمية اقتصاديَّة واجتماعيِّة، من خلال نمو الطَّلب على المنتج السياحيِّ، وكذلك توفير فرص العمل، وتقليل نسب البطالة، بخاصَّة أنَّ أهل الفنِّ والإبداع يمكن أن يجدوا حظاً كبيراً في هذه الأنشطة.
السِّياحة في أفريقيا
تُعدُّ القارة الأفريقية من أكثر المواقع المحببة للسّياح، بسبب مساحتها الكبيرة، إذ تتميز طبيعتها بالجمال وتكون مبهرة في رحلات السّفاري والسِّياحة الطبيعيَّة، فتعد إفريقيا من القارات القليلة التي تمكن السّياح من مشاهدة الحيوانات بداخل البيئة البريَّة.
كما تحوي قارة إفريقيا كثيراً من الشواطئ السِّياحيَّة، فهي من أكثر القارات شهرة في الوجهات السِّياحيَّة التي تتميَّز بوجود تراث ثقافي خاصٍّ ينبهر به السُّياح، وفي هذا الاتجاه نجد أنَّ القارة الإفريقيَّة قد حقَّقت دخلاً من قطاع السِّياحة 186 مليار دولار في عام 2019م، وكان حجم السُّياح أكثر من (84) مليون سائح، ويعمل في هذا القطاع أكثر من (25) مليون شخص.
إثيوبيا.. احتراف السِّياحة
وضعت وزارة السِّياحة الأثيوبيَّة على عاتقها عمليَّة مضاعفة استقبال السُّياح الأجانب، الذي جلبوا للبلاد نحو (3.6 مليار دولار عام 2021م) و (4.2 مليار دولار عام 2022م) وتشغيل أكثر من مليوني شخص في هذا القطاع، وساعدها على ذلك سهولة الوصول إلى أثيوبيا، وكذلك الحركة الداخليَّة من خلال أسطولها الجوي المنتشر، ومن ضمن الإجراءات الجديدة التي ساعدت على زيادة عدد السُّياح منذ عام 2018م، إتاحة الدخول بالتأشيرات الإلكترونيَّة للسُّياح والزائرين أيضاً من جميع أنحاء العالم.
مصر .. جهود لا تتوقَّف
تبذل الدولة جهدَّاً كبيراً في الاستغلال الأمثل لموارد الدولة السِّياحيَّة والطَّبيعيَّة والبشريَّة والأثريَّة، والعمل على ضمان استدامتها، وتوفير بنية تحتيَّة وخدميَّة متميِّزة ومتطوِّرة بها لزيادة القدرة التنافسيَّة لمصر، من خلال تشجيع فرص الاستثمار، ورفع كفاءة العنصر البشرى، واستخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة، وذلك عبر أطر مؤسسيَّة وتشريعيَّة لمواكبة التطوُّر العالمي، مع تطبيق أفضل السبل للترويج والتنشيط السياحيّ ِمحليَّاً ودوليَّاً لجذب أكبر عدد من السَّائحين من مختلف الأسواق، وكلِّ الفئات، وبخاصَّة ذات الإنفاق المرتفع، ونجد أنَّ السِّياحة في جمهوريَّة مصر العربيَّة قد حقَّقت أكثر من (14.4) مليار دولار في عام 2023م، وتجاوز عدد السيَّاح 13 مليون سائح.
كينيا .. استغلال التنوُّع
تتميَّز كينيا بتنوُّع الحياة البريَّة، ومناظرها الطبيعيَّة الخلَّابة، والجبال المكسوَّة بالثُّلوج، فضلًا عن شعبها العريق. وقد أسهمت السِّياحة بأكثر من 2 مليار دولار في الدَّخل القوميِّ، وعدد السُّياح يقارب مليوني سائح، وهذا القطاع يشغل 10 ٪ من القوى العاملة.
السِّياحة في السُّودان
يتمتَّع السُّودان بإمكانيات سياحيَّة متنوِّعة نتيجة للتنوُّع البيئيِّ والجغرافيِّ، إذ يحتَّكم إلى صحاري في الشَّمال، وسافانا في الجنوب، وساحل البحر الأحمر الطويل شرقاً، وهذا ما يتيح إمكانات سياحيَّة متنوِّعة يمكن تلخيصها في الآتي:
سياحة الآثار والمتاحف.
السِّياحة النيليَّة.
رحلات السَّفاري: (الدندر National park) نموذجاً.
سياحة الحياة البريَّة والصَّيد: حيث يتم استقبال أفراد من دول عربيَّة كالسُّعوديَّة وقطر والإمارات لصيد أنواع معيَّنة من الطُّيور والغزلان في مواسم محدَّدة.
سياحة الرِّمال الصحراويَّة: وهي سياحة الرَّحلات الصحراويَّة، وإقامة المعسكرات.
سياحة بحريَّة: تشمل تنظيم رحلات الغطس، من أجل مشاهدة الشُّعب المرجانيَّة الجميلة، وأنواع كثيرة من الكائنات البحريَّة وتصويرها، ووجود محميَّة دنقناب البحريَّة التي تُعدُّ منطقة نادرة لتزاوج القرش (الحوت).
كما يحرص الباحثون والسُّياح على زيارتها، والتَّمتع برحلات الصَّيد البحريِّ، وزيارة الجزر.
وعلى الرغم من البيئة المواتية للأنشطة السياحيَّة استناداً إلى ما يتمتَّع به السُّودان من الموارد السِّياحيَّة المتعدِّدة، إلّا أنَّ إسهام السِّياحة في الاقتصاد ضعيف، ولا أثر له. ففي عام 2018م بلغ عدد السّياح 2715 سائحاً أنفقوا 54.309 دولار، فيما سجَّل الرُّبع الأوَّل من عام 2023م قبل بداية الحرب 3792 سائحاَ، وبلغ الدخل 75.840 دولار.
فيا ترى ما الأسباب التي تحول دون الاستفادة من السِّياحة كما هو الحال في الدول الأخرى؟!.
يعود ذلك إلى أسباب عدَّة، منها:
- التشريعات القانونيَّة الاتحاديَّة والولائيَّة: إذ إنَّ هناك صعوبة في الحصول على التأشيرات من السّفارات السُّودانيَّة بالخارج، ووجود حزمة من القيود على تنقل السُّياح والزًّوَّار عقب دخولهم إلى السُّودان.
- ضعف البنية التحتيَّة: ضعف اهتمام الحكومة بالبنية التحتيَّة في المناطق الأثريَّة، وضعف الخدمات الأساسيَّة فيها، علاوة على ذلك انعدام الطرق المؤدِّية إلى المناطق الأثريَّة، وقلَّة الفنادق في المناطق السياحيَّة، وضعف الاهتمام الحكوميِّ بالسِّياحة، إضافة إلى ضعف الوجود الأمنيِّ بالمزارات السِّياحيَّة والطرق المؤدِّية إليها.
- ارتفاع الرسوم والضرائب على القطاع السِّياحيِّ والخدمات: أدَّى ذلك إلى ارتفاع التكلفة التشغيليَّة في هذا القطاع، وهو أمر سبب نفور الشرِّكات السِّياحيَّة والقطاع الخاصِّ عن عمل مشروعات سياحيَّة، والاستثمار في مجال السِّياحة.
- غياب التخطيط والتنظيم: في توزيع الاستثمارات والمنشآت السِّياحيَّة على أهم المناطق التي تُعدُّ مناطق جذب سياحيٍّ، وعدم اهتمام الدولة بتنمية المرافق السِّياحيَّة، والحفاظ عليها.
ضعف التمويل: المقدَّم من القطاع المصرفيِّ للقِطاع السّياحيِّ، اضافة إلى أنَّ عدم وجود إعفاءات جمركيَّة وضريبيَّة أدَّى إلى ضعف إقبال القطاع الخاصِّ على الاستثمار في هذا المجال.
- غياب سياسات التَّسويق والترويج لقطاع السِّياحة: يتميَّز السُّودان بوجود المناطق السِّياحيَّة الجميلة، والمميَّزة، وطبيعة البلد الغابيَّة التي تحتوي على كثير من أنواع الحيوانات، التي تُعَدُّ عامل جذب للمجموعات السِّياحيَّة التي تَعشق المغامرة، إلا أنَّ ضعف التسويق السِّياحيّ في إظهار التنوُّع البيئيّ في السُّودان أدَّى إلى الحدِّ من إقبال السُّياح؛ بسبب عدم معرفتهم بهذه المناطق الجميلة.
- عدم وجود وعي مجتمعيّ بأهميَّة السِّياحة في رفع المستوى الاقتصاديّ للسًّكَّان ومجتمعاتهم.
